الخميس، 9 ديسمبر 2010

أطيافٌ لماضينا!

هي صورٌ متتابعة ترد بخاطري كلما أغمضت عيناي ...
زمنٌ آخر بعيد..
أطيافٌ تنطق بالجمال والهدوء
أغمض عيناي لأقرر أن أعيش الزمن البعيد لدقائق
دقائق أرى تفاصيلها بعيون مقفلة..
فإن أغمضت عيناك ...يمكنك أيضًا أن ترى!








الأحد، 28 نوفمبر 2010

كلمات هزتني!



أتتني في سكون الليل أطيافٌ لماضينا
وراحت تنثر الأشواق والذكرى أفانينا


أما كنا بجوف الليل رهبانًا مصلينا
وفرسانًا إذا ما قد دعى للموت داعينا

فمن للأمة الغرقا إذا كنا الغريقينا
ومن للغاية الكبرى إذا ضمُرت أمانينا
ومن للحق يجلوه إذا كلّت أيادينا


أسائلكم ونفسي هل أصاب القحط وادينا
وهل جفت ينابيع الهدى أم أجدبت فينا


فما المعنى بأن نحيا فلا نحيي بنا الدينا
وما المعنى بأن نجتر مجدًا ماضيًا حينا
وحينًا نطلق الآهات ترويحًا وتسكينا


فمن للأمة الغرقا إذا كنا الغريقينا
ومن للغاية الكبرى إذا ضمُرت أمانينا
ومن للحق يجلوه إذا كلّت أيادينا


أسائلكم أسائلكم عسى يومًا يوافينا
ونبرم فيه بالإقدام يرموكًا وحطينا


فعذرًا إن عزفت اليوم ألحان الشجيينا
وإن أسرفت في التبيان عمّا بات يضنينا


فإن الكون مشتاق لكم شوق المحبينا
بنا يعلو منار الحق في الدنيا ويعلينا


فمن للأمة الغرقا إذا كنا الغريقينا
ومن للغاية الكبرى إذا ضمرت أمانينا
ومن للغاية الكبرى إذا ضمرت أمانينا
ومن للحق يجلوه إذا كلّت أيادينا

قال أحمد مطر...

وجوهكم أقنعة بالغة المرونة
طلاؤها حصافة، وقعرها رعونة
صفق إبليس لها مندهشا، وباعكم فنونه
".وقال : " إني راحل، ما عاد لي دور هنا، دوري أنا أنتم ستلعبونه
ودارت الأدوار فوق أوجه قاسية، تعدلها من تحتكم ليونة،
فكلما نام العدو بينكم رحتم تقرعونه،
لكنكم تجرون ألف قرعة لمن ينام دونه
وغاية الخشونة،
أن تندبوا : " قم يا صلاح الدين، قم " ، حتى اشتكى مرقده من حوله العفونة،
كم مرة في العام توقظونه،
كم مرة على جدار الجبن تجلدونه،
أيطلب الأحياء من أمواتهم معونة،
دعوا صلاح الدين في ترابه واحترموا سكونه،
لأنه لو قام حقا بينكم فسوف تقتلونه
قصيدة "ورثة إبليس"

الثلاثاء، 2 نوفمبر 2010

أنا شيخ فلتان!

Text Color
احمل النقيضين...

انا المعنى وعكسه!

أنا آدم وأبليس في جسد!!



ليس انفصامًا...ولكن..
شيءٌ ما بداخلي يجعلني "ولو قليلاً" ابتعد عن الطريق الصحيح
شيءٌ ما يسمى النقيض..
شيءٌ خلقه الله فينا...
وعُصم منه الأنبياء!

هو الجانب الآثم منا..
الجانب الخفي الذي يعكس ضعفنا..
الجانب الذي يذكرنا دائمًا بأننا لسنا ملائكة ...
ولم ولن نكون أبدًا أنبياء!!

ستراني أقراء القرآن في خشوع، ولكن لا تستغرب كثيرًا إن وجدتني أستمع إلى أغنية "أحبك جدًا" لماجدة الرومي بعد قوله:"صدق الله العظيم"!

أصلي وأصوم وأغض بصري، ولكن... أحب السينما كثيرًا ولا أستطيع الكتمان بأن جورج كلوني "أمور أوي"!

أرتدي الحجاب ومؤمنة تمامًا بأن الرقص حرام وأن جسد المرأة عورة، ولكن بعض رقصات "سهير ذكي" تعجبني!


ليس نفاقًا..
ففي باطني نقيضين يظهران سويًا في الخفاء والعلن!
لم أدعي شيئًا ليس في ...ولم أكذب على أحد
كما أنا أظهر للناس ...
أتفهم انتقاداتك أحيانًا
واختلف معك أحيانًا
ولكن.... لا تلعب دور الواعظ أمامي!


وسط التحفيز الديني المستمر من حولي ..
ناهيك عن أن أختي المنتقبة التي دائمًا ما تذكرني بأن سماعي للأغاني حرام ومشاهدتي للأفلام حرام ومن السخافة أن أحب الشعر وأحفظ أبياته في الوقت الذي لا أحفظ فيه من القرآن شيء سوى القليل - والحق معها هذه المرة - سألت نفسي
هذا السؤال:
Text Color من أنا بينهم؟؟!
التي تصلي أم التي تحب رقصات سهير ذكي؟؟

فكانت الإجابة: ومن الإنسان؟!!

ولكن في مجتمعاتنا ..الإنسان كلمة مجردة لا تعبر عن الشخص...
يجب أن تكون إما...أو..

فكان علي أن الاختيار...
وبما أن كل من حولي يقول "الإسلام هو الحل"، فكان من الطبيعي أن أختار الجانب الملائكي المهذب دون غيره....وبدء الصراع!!

المعصية...
الجانب الذي نهرب منه ...وإليه!
كنت كالقابض على الجمرة بحق...
والحق إني لم أكن تلك المعذبة.
فقد كنت اختلس النظر من الثقب الذي صنعته بالباب قبل أن أغلقه في وجه الجانب العاصي مني!
فهمسًا أقول لكم أني كنت سعيدة بهذا الجانب!

بالطبع لا أقصد المعصية في حد ذاتها، ولكن...أحب ذلك الخيط الرفيع الذي بين الفضيلة والذنب.
هي "الشقاوة" الحميدة التي تذكرني فقط بأني أنثى!

أنثى لن تنسى الجانب الآخر الذي يذكرها دائمًا بالله
فرغم إعجابي برقصات سهير ذكي إلا إني لم ولن ارتدي يومًا بدلة رقص!
وإن حدثت معجزة كبرى وزادت عجائب الدنيا واحدة وقابلت جورج كلوني يومًا ودعاني للخروج معه...
سأرفض دعوته!!

الجانب العاصي فينا ... سيبقى فينا
فقط ...علينا أن نروضه.

هكذا خلقنا الله ...نحمل الاثنين بداخلنا لحكمة
وهي... أن نكون دائمًا علينا الاختيار

فربما اختم كلماتي هذه بدعاء "ربنا لا تؤاخذنا إن نسينا أو أخطأنا" ويعجبك هذا!
أو أختم بكلمات أغنية فريق البلاك تيما "انا شيخ فلتان..طيب شرير و جرئ و جبان" ويعجبك هذا أيضًا!

الأحد، 18 يوليو 2010

الكمبيوتر بتاعنا ..."بااااايظ"!



للمرء عينان...
عينان اثنتان... وهبهما الله للإنسان ليرى بهما عظمة خالقه

يرى الإنسان بهما ..الجمال والقبح..
الخير والشر...
وبشرٌ.. امتزجت فيهم كل هذه الصفات!!

ولحسن حظي، أمتلك من الأعين.. أربعة!!
عينان منحهما الله لي كباقي البشر..
وعينٌ هي كاميرتي ..
وعينٌ أخرى هي ..."الكمبيوتر بتاعنا"!

أربعة أعين لشخص واحد!

اثنان منهم هبة من الإله الواحد ...والاثنان الآخران هبة من البشر

منذ عدة أيام، أصيبت عيني الرابعة بالعمى!
فقد تعطل جهاز الكمبيوتر الخاص بمنزلنا الكريم....والذي من خلاله كنت "أرى واسمع وأتكلم"!!

شيء محزن أن تكون الأداة الوحيدة للتعبير عن ذاتك ...هي مجرد جهاز بسلك كهربائي!!
إذا تعطل ...تعطلت معه حاسة السمع والبصر لديك ...وتصبح اخرس تعجز عن الكلام أيضًا!

ربما كان كلامي به شيء من المبالغة ..
ولكن التمسوا العذر لشخصية كاريكاتيرية مثلي جعلت من "جهاز الكتروني" نافذتها الوحيدة إلى العالم
فقد كنت أغلق كل النوافذ الأخرى بمحض إرادتي ...
لتنفرد "النافذة الإلكترونية" وحدها ..بحق بث الضوء في حجرات عقلي المظلمة!

نافذة وحيدة لم اقبل بغيرها ...حتى من باب التغيير!

في عصور ازدهار "الكمبيوتر بتاعنا"، كنت اجلس أمامه بلا حراك بالساعتين أو اكثر...
كانت صديقتي تقول لي دائمًا: "أنت لاجئة عالفيس بوك"!
أعطيت للكمبيوتر الأولوية قبل كل شيء ....حتى قبل غدائي!!

كنت مثال الـ "User" المخلص..... دائمًا ودومًا وإلى الأبد!

أترجم إخلاصي له إلى ساعات طوال اقضيها أمامه بين تنزيل أفلام ..وقراءة أخبار...وجمع معلومات ....وثرثرة بطعم المناكفة مع الأصدقاء!

وهذا إلى أن خذلني ...وأصبح مجرد جهاز مظلم بشاشة سوداء!


لم أرثيه ...
ولم أبكي عليه كثيرًا...

ربما في البداية كان الأمر كذلك ....ملل وكآبة و"خنقة"!!

إلى أن حدث حادث جلل ....ووقع في يدي كتابًا جميلاً!!

كنت أرى العالم مكتوبًا...

شعرت أن العين الرابعة لازلت بخير ...فالعمى لم يصبها هي ...بل عقلي ذو الحجرات المظلمة!

اكتشفت أن هناك بدائل أخرى تصلح لأن تحتل المراكز الأولى

تذكرت النوافذ المغلقة....
فسارعت لفتحتها لأعيد النور الحبيس

نظرت إلى "الجهاز ذو السلك الكهربائي" وابتسمت...
"من أنت لأضيع نصف وقتي من أجلك؟!!"

الوقت ....والبدائل
ثنائي كنت دائمًا ما اعجز عن التوفيق بينهما

والحق أنه كان يراودني بعض الحنين...
فأقوم بتشغيل "الكمبيوتر بتاعنا" ....فربما عمل هذه المرة...

ولكن النتيجة دائمًا ما تكون "شاشة سوداء"

أعود إلى كتابي ثانيةً وأنساه
أعود وبداخلي "فرحة خبيثة" بأنه لا يعمل

فرحة لأنك لن ترجع مرة أخرى لمن استعبدك حتى ولو رغبت أنت في ذلك من باب الاشتياق!

فرحة لأنك تحررت من براثنه ..وتمتلك "بكل فخر" ....البديل!

فها هو الآن أمامي ..بشاشته المظلمة ...يتدلى منه سلكه الكهربائي ..كجثة هامدة!
سقط الآن مهزومًا أمام كتابي!


خلال فترة عطل الكمبيوتر هذه،..والتي هي بالمناسبة مستمرة حتى الآن...

قرأت كتابًا جميلاً ...وشاهدت فيلمًا جميلاً...وكتبت مدونتي هذه!

أي أنني رأيت ..وسمعت..وتكلمت بدونه!

سعادتي الحقيقة كانت تكمن في ذلك ..

فها هو القيد الذي ألففته حول عنقي بيدي ...قد كسرته!
وتلك النبرة الحزينة التي أقول فيها "الكمبيوتر بتاعنا بايظ".....قد استبدلتها بابتسامة صادقة حقًا لأقول بعدها:

"الكمبيوتر بتاعنا بايظ ...والحمد لله "

الأربعاء، 30 يونيو 2010

خــالد ســعيد...لست الأول ..وادعو الله أن تكون الأخيــر!



عزائـي من الظُـلاَّم إن مِـتُ قبلـهم
عمــوم المنـايا مالها من تجــامله


إذا أقصـد المـوت القتيل فإنه
كـذلك ما ينجـو من الموت قاتله


فنحن ذنــوب الموت وهي كثيـرةٌ
وهـم حسنات المـوت حيـن تسائـله

يقـومُ بـها يـوم الحسـاب مدافـعًا
يـردُ بـها ذمامـه ويجــادله


ولكـنَ قتــلاً فـي بــلادي كريـمةً
ستبـقيه مفقــود الجـوابِ يحاولــه


"تميم البرغوثي"

الاثنين، 28 يونيو 2010

فيلم "عسل اسود"عندما نكتشف أن بلدنا رغم كل شيء.. "فيها حاجة حلوة"!

الكوميديا السوداء ...هي أن نسخر من مآسينا ...
هي أن نضحك وبداخلنا جرح عميق.
جرح يصل بنا إلى حد السخرية منه.. لأننا ببساطة لا نملك غير السخرية.

فيمتزج سواد الجُرح بحلاوة الضحك ...ليصل بنا إلى ..

العسل الأسود"

شاهدت الفيلم وبداخلي ذلك الجرح ..
جرح أراه في كل مكان ..بل وعلى نشرات الأخبار أيضًا.

فالمصري مهان داخل بلده وخارجها ...وهذه حقيقة لا يمكن تجميلها بكلمة مثل: "حادثة فردية"

ولن أخوض في تفاصيل "الحوادث الفردية" التي تحدث في الخارج كجلد الطبيبين المصريين في السعودية قبل أن تُعلن براءتهما ...وسحل المتهم المصري في لبنان على يد "مدنيين" دون محاكمة... وضرب صيدلي مصري في الكويت ضربًا مبرحًا على يد كويتي دون سابق معرفة ودون حتى تحقيق...وقتل الشاب المصري ذو السبعة عشر عامًا في ايطاليا على يد مواطن ايطالي "سكران" والذي بالمناسبة لم يقبض عليه إلى الآن!!


جلد وسحل وضرب وقتل!

كلمات تصرخ بالسواد كانت من نصيب المصري في الخارج ...

دعونا منها الآن ...
فالعسل بدأ يفقد حلاوته في حلقي.

يبدأ الفيلم بمشهد كوميدي خفيف في طائرة لشاب مصري اسمًا وصفةً (أحمد حلمي) وهو مصور فوتوغرافي عائد إلى مصر بعد اغتراب في أميركا دام 20 عامًا رسم خلالها صورة جميلة لبلاده... مصر...التي تركها منذ عشرين عام!

صورة جميلة لمصر..
بل صورة قديمة لبلادنا

تأتي مضيقة الطيران لتوزع جوازات السفر المصرية والأمريكية على الركاب وكأنها تقول لهم: "عليكم الاختيار"

فيرفض "مصري" أن يأخذ جواز سفره الأمريكي عند وصوله أرض الوطن وأصر على استبداله بجواز سفره المصري...

وهنا تبدأ المفارقة....

في صالة الوصول ...حيث الابتسامة المشرقة على وجوه الجميع ...يصل "مصري" إلى "شباك الجوازات" وما أن يسأله الضابط عن جنسيته ليرد" مصري" بأنه مصري حتى تنطفئ الابتسامة التي كانت على وجه الضابط ويطلب منه الانتظار بجانب الطريق ربما لساعات ليعطيه النهاية في جواز سفره المصري ويقول له "نورت مصر"
قالها الضابط وكأنها نذير خطر.

وبالفعل، فبدءًا من ضابط الجوازات في المطار إلى موظف الفندق مرورًا بـ "سايس" الخيل إلى ضابط الشرطة... كلهم أظهروا له السوء لمجرد أنه مصري وليس "خواجة"!!

يناقش الفيلم بأسلوب ساخر كيف يتعامل أبناء الوطن الواحد مع بعضهم البعض....وكيف أن للمصري دائمًا المنزلة الأقل في بلده.


ويأتي مشهد من أروع مشاهد الفيلم ...وأكثرها واقعية ...وهو محاولة "مصري" السير في شوارع القاهرة المزدحمة بتلك السيارة التي استأجرها من الفندق....محاولا التعامل مع الفوضى المرورية الهائلة والصادمة لـ "مصري" في ذات الوقت خصوصًا أنه أتى من بلاد لا تعرف للفوضى معنى...وروعة المشهد تكمن في الخلفية الموسيقية لهذا المشهد ...حيث كانت أغنية "حلوة يا بلدي"!

والحق إني ضحكت كثيرًا في المشهد فبجانب حرفية الإخراج التي أظهرت مشهدًا حقيقيًا لإحدى شوارع مصر المزدحمة...أقصد الفوضاوية، كان اختيار أغنية من أشهر الأغنيات التي غنت بها داليدا ذات اللسان الأعجمي حبًا لمصر ..هو الأروع!!

وبعد سلسلة من المواقف، يصاب مصري بإحباط شديد ...فلم يأتي عليه جواز سفره المصري إلا بالإهانة فيضطر في مشهد كوميدي صارخ أن يلقي بجواز سفره في النيل!

ولأن الحق غالبًا ما يكون ضعيف ...فكان الدعامة القوية التي يتكئ عليها ذلك الحق ....جواز سفر أزرق!

استبدل "مصري" جواز سفره المصري ...بجواز سفره الأمريكي ..
استخدمه "مصري" في عدة مواقف في الفيلم ...فأثبت جواز السفر الأزرق – للأسف – جدارته!

يتجلى هذا تحديدًا في مشهد من أكثر مشاهد الفيلم واقعية نظرًا لتكراره بشكل اعتيادي في الشارع المصري ..وهو مشهد إيقاف السائق "لطفي لبيب" من قبل ضابط المرور ..وسحب رخصته ..رغم أن المخطئ لم يكن هو ...بل كان رجل غامض بسيارة فارهة!

هنا اظهر "مصري" جواز سفره الأمريكي وهو يشهد بما رآه ...فأرتبك الضابط وحول الأمر برمته إلى من هو أعلى منه "للإفتاء"!

ولنقف هنا قليلا...

تخيلوا معي لدقيقة، إذا كان "مصري" لا يحمل جواز سفر أمريكي ...وأراد أن يقول كلمة حق..
فربما عنفه الضابط واقتاده عنوة إلى قسم الشرطة طبقًا لقانون الطوارئ وقام بتعذيبه حتى الموت لتكون النهاية هي ..تقرير من طبيب شرعي ليس بشرعي أبدًا يفيد بوفاة "مصري" أثر تعاطيه جرعة زائدة من المخدرات!!

الفيلم حقيقي جدًا ..أراد بشكل ساخر أن يفتح جُرح قديم ..لكنه لم يلتئم بعد ...مثله كمثل الطبيب الذي يخرج رصاصة من جسد جريح على وشك الموت...
في كلتا الحالتين ..
الألم أمر وارد!!


لم يرى "مصري" في مصر تلك الصورة التي رسمها في مخيلته ...ولكنه رأى أشياء أخرى جميلة ..
أشياء ربما لم ولن يجدها في مكان آخر غير مصر ....
هي أشياء لا يعرف بالضبط كيف يسميها ...
أشياء تميز بها المصريين دون غيرهم ...ربما لأنهم هم في الأصل متميزون عن غيرهم..

أشياء نسميها .."الحميمية" ..حميمية اللقاء ...التي وجدها "مصري" عند جيرانه بمجرد أن تذكروا أنه مصري "ابن حتتهم"!
حميمية من الصعب أن يجدها في بلاد باردة الطقس والمشاعر!


أشياء نسميها ..."البساطة"...البساطة في التعامل حتى مع المشكلات فالمصري دائمًا عنده الحلول السريعة لأي مشكلة فإذا تعطلت درجاته البخارية سيكتفي بالدق عليها بـ "ظلطة" لتدور ...وإن حدث وأن توقفت الكاميرا فجأة عن التقاط صورة ...سيلقي بكراسة التعليمات جانبًا...وسيكتفي بالنفخ فيها لتعمل من جديد!

أشياء نسميها "الدفء" ...دفء العائلة ..الذي نشعر به في جلسات الثرثرة حول صيجان الكعك ليلة العيد.

أشياء نسميها ...."خفة الدم" ....خفة الدم التي استطاعت أن تحول أكبر مآسينا إلى نكتة "حلوة"!


فقط، يعيب على الفيلم من وجهة نظري نقطتان ...الأولى هي النهاية غير المنطقية نوعًا ما وتتمثل في عودة "مصري" إلى مصر في اللحظات الأخيرة كالأفلام الهندية ...فشاب مثل "مصري" عاش وتربى في بلد مثل أمريكا من الصعب من الناحية الدرامية أن نقبل منطقيًا بهذه النهاية.
ولكن من الممكن أن نعطي بعض العذر الدرامي فـ"مصري" يعمل مصورًا ومهنة كهذه لا تتطلب كثيرًا إمكانيات دولية معينة.

النقطة الثانية، وأعتقد أنها الأهم ...هي عدم التطرق إلى أي من السلبيات الموجودة فعليًا في أمريكا...فلا اعتقد مثلا أن المصري أو العربي أو المسلم عمومًا يعيش معززًا مكرمًا في أمريكا خصوصًا بعد أحداث الحادي عشر من سبتمبر دون أي ضغوط.

كنت أتمنى أن يتطرق الفيلم إلى مثل هذه القضية المهمة طالما كان النسق الدرامي يتحدث عن الحقوق. واعتقد أن مشهد المظاهرة كان تربة خصبة لطرح هذا الموضوع ...ولكن المشهد بدأ وانتهى بطريقة هزلية عابرة ...دون حتى استعراض لوجهة نظر "مصري" للقضية ...حين رأى صورًا لبوش ومعتقلي أبو غريب ...لو بنظرة عين!!

الفيلم ليس بالمسيء أبدًا مثلما كتبت بعض الأقلام ...
فقد كنت أشاهد الفيلم في السينما وكأن شريطًا سينمائيًا آخر يعاد عرضه أمام عيني...شريط أحداث مشابهة تعرضت لها بالفعل ...وكأن الفيلم يروي ما رأيت!

استعجبت كثيرًا من حملة الهجوم التي استهدفت الفيلم ....تلك التي اتهمت الفيلم بالإساءة إلى "سمعة مصر"!


لماذا هذه النبرة الآن؟!

اذكر أن شاهدت فيلمًا من أجمل ما أنتجته السينما المصرية في أواخر الثمانينات ...وهو فيلم "الدنيا على جناح يمامة" ...تضمن الفيلم مشهدان من أجمل مشاهد الفيلم وهو مشهد المقارنة بين البنوك المصرية والبنوك الأجنبية من حيث النظام والإدارة بتعليق صوتي للفنان محمود عبد العزيز والمشهد الثاني مشهد القبض على "إيمان" "ميرفت أمين" وسائق التاكسي رضا "محمود عبد العزيز" لمجرد أن الضابط اشتبه بهم!

لم نسمع وقتها أن الفيلم يسيء إلى سمعة مصر ...بل أن الفيلم لازال يُعرض حتى الآن في التليفزيون المصري دون حذف المشهدين!!

أتى فيلم "عسل اسود" بما هو موجود بالفعل في المجتمع المصري ....
لم يختلق ولم يزايد.....

فجاءت المشاهد صادمة وحقيقية جدًا وقد ساعد على ذلك الأداء الحرفي والمتميز لأبطال الفيلم ..
بدءًا بأحمد حلمي الذي أقنعني بشكل كبير بالشخصية شكلا وموضوعًا.
ايمي سمير غانم: والتي كانت مفاجئة الفيلم بالنسبة لي بأدائها العفوي والمميز جدًا فخرجت من الفيلم أتذكر جيدًا جملا حوارية كاملة لها رغم قلة عدد المشاهد التي أدتها.
طارق الأمير: أو عبد المنصف والذي أدى دوره بحرفية شديدة وبتلقائية وطبيعية أبعد ما يكون عن التمثيل أو الإدعاء!

ولأني اعتبر المخرج من أبطال الفيلم ...فقد قدم لنا "خالد مرعي" فيلمًا قويًا من حيث الصورة والإخراج ..

كذلك الصوت الجميل "ريهام عبد الحكيم" والتي غنت ضمن أحداث الفيلم أغنيتن أراها أنها من أصدق الأغنيات من حيث الكلمة واللحن وهما "بالورقة والقلم" و "فيها حاجة حلوة" تلك الأغنية التي أتت مع تترات النهاية للفيلم مع حوار جميل وعفوي جدًا لأحمد حلمي مع "مراكبي" !

ويبقى الجندي المجهول ...الذي لازلت أبحث عن أية معلومات عنه إلى الآن ...فم يحالفني الحظ أن اقرأ اسمه بين تترات الفيلم ...وهو المصور أو الـ Photographer الذي أتحفنا بصورٍ أكثر من رائعة جعل من إحساسي الأول بعد خروجي من الفيلم هو أني ...."عايزة اشتري كاميرا"!!

الأحد، 13 يونيو 2010

كيف تسرق تاريخًا!

"حدث أن مات يهوديان ووصلا إلى بوابات السماء المصنوعة من اللؤلؤ وسألا حارسها القديس بطرس:
- هل يمكننا الدخول؟

فطردهما قائلا:
- غير مسموح لكما بالدخول.

ثم ذهب ليحكي إلى يسوع المسيح الذي لامه على تصرفه وأمره بالعودة إليهما ليدخلهما الجنة...وذهب بطرس مسرعًا ..ثم عاد إلى يسوع قائلا:

- لقد اختفوا.

- من؟ اليهوديان؟

- لا...بوابات السماء!!"




نكتة طريفة أرادت أن تقول لنا: "أحذروا!"..
فاكتفينا بتقديم اليهودي قي أفلامنا في صورة .. "الدنيء"!

دنيء مضحك ..يظهر دائمًا في دور المرابي الجشع، أو الباشكاتب المزور، أوصاحب البيت البخيل...

محتال يجيد سرقتك عن طيب خاطر ..
دنيء ..ولكنك أحيانًا تتعاطف معه..

شخصية أشبه بالشخصية الكرتونية...دائمًا ما يظهر ضئيل الحجم، ضعيف البنية، منحني القامة ...له طريقة مضحكة في نطقه للكلمات ..كـ "خنفان" استيفان روستي في فيلم "حسن ومرقص وكوهين"!!
دنيء ..وتعرف ذلك جيدًا ...ولكنك تحب أن تراه طوال الفيلم!!


منذ عدة أشهر، أطلت علينا نشرة الأخبار بإعلان إسرائيل أن الحرم الإبراهيمي ومسجد بلال بن رباح آثارًا يهودية!!

الدنيء يظهر مجددًا على الشاشة ...
ولكن هذه المرة، في زي عسكري ومدجج بالسلاح ويضع شريط أصفر بحروف عبرية حول مسجدًا للمسلمين!!

جاء ليسرق بوابات اللؤلؤ التي لدينا ..ونحن نشاهد.... بل ونقوم بإخراج المشهد أيضًا!!

إن أردت أن تسرق تاريخًا فالأمر سهل ..


قل أن نبيًا لي مر من هنا ...وابني ضريحًا!!

ارسم شريطًا حدوديًا يحتضن تراث الآخرين..وأعلن دولتك!!

ولا تنسى أن تكذب مائة مرة حتى تصدق أنت نفسك الكذب!!

كلنا نعلم أن إسرائيل بلا حضارة ..بل بلا تاريخ يُذكر...
دولة عمرها أقل من السبعين عام ..لا يمكن أن يكون لها ما يقولون عنه "تراث"!

فماذا تفعل لو كنت مكان دولة قامت على أنقاض وجثث الآخرين؟!
ماذا تفعل لكي تثبت أن وجودك كان ولا يزال متأصلا بين أقوام صنعوا الحضارة والتاريخ؟!

الأمر سهل ..

التقط صورة لقبة الصخرة واكتب فوقعها "Israel"!..
ضم جبل الطور بسيناء إلى قائمة آثارك!
ضع صورًا لشرم الشيخ وفندق طيبة على إعلان سياحي واكتب أسفل الإعلان "Visit Israel"!


هذه ليست نكته هذه المرة، فبالفعل رأيت كل هذا...

رأيت صورًا لمساجدٍ بفلسطين كتب عليها "إسرائيل"...
ورأيت صورًا لبلادي على مواقع سياحية عرفت بعد ذلك أنها لإسرائيل!!

كنت أسأل نفسي ...أين نحن من كل هذا؟ أين نحن على الأقل كمصريين؟!
ولكن عندما سمعت بفضيحة بيع قطع أراضي بسيناء لشخص مشبوه له علاقات بشركات إسرائيلية.....عرفت الإجابة!

فمن يبيع أرضه لعدوه طواعية عن طريق وسيط ليس له انتماء ....لن يكترث بصورة في إعلان!!

إسرائيل تكذب ...تكذب على العالم وعلى نفسها!
ولكن لكي تكتمل أركان الكذبة المحبوكة... يجب أن يكون هناك من يصدقون.
فللكذبة المحبوكة طرفان ...المدعي والمصدق

وطالما ليس هناك من يصدق ...فأركان الكذبة هنا غير موافية للشروط!

فلا اعتقد مثلاً أن هؤلاء السياح الذين يتوافدون من أقاصي العالم لكي يشاهدوا رقي وجمال العمارة بمسجد البحر أو جامع البحر في يافا السليبة والتي هي قلب إسرائيل، سيصدقون أنه أثر يهودي!! بل سيدفعون للجيش الإسرائيلي رسوم زيارة "المسجد اليهودي" ..وهم يكتمون ضحكاتهم!

إسرائيل لن تستطيع أن تطمس هويتنا...
فإن كذبت وقالت هذه الحوائط يهودية ...سينطق النقش الإسلامي ليقول غير ذلك!

فمسجد "بلال بن رباح" يحمل اسمًا عربيًا ...سيتعثلم أي إسرائيلي عند نطقه!

وإن أتيت إلى إسرائيل عن طريق البحر، فإن أول شيء ستراه من بعيد ....مئذنة!!



الاثنين، 7 يونيو 2010

ورأيت هنا الألم..


كانت أقصى حدود ألمي، هو ذلك الصداع النصفي الذي يأتني من آن لآخر في الجانب الأيسر من رأسي...

ضيف ثقيل ما إن يأتي لزيارتي حتى يجن جنوني..
ضيف يأتني بلا دعوى ..ودائمًا في الوقت غير المناسب.

كان علاجه الوحيد هو مسكن فوري شديد المفعول ....وليس احتماله!!

هكذا كان منطقي ..."الحل السريع وليس الصبر"!
فالصبر كلمة تختفي من كل القواميس عند شعوري بالألم
كلمة لا اقرأها ولا أريد سماعها...
فقط.. مسكن فوري وسينتهي كل شيء

عند شعوري بالألم ...أتحول إلى شخصية سلبية من الدرجة الأولى
أتغيب عن العمل..
لا أتحدث مع أحد..
وأتقوقع في غرفتي دون حراك محاولة الاستسلام لنومٍ ربما ينتصر على ألمي!

وليس هذا كل شيء، بل أفرض سلبيتي على الآخرين
فعلى أبي أن يذهب إلى الصيدلية في منتصف ليل شتاء قارس ليحضر لي دفعة جديدة من المسكن الذي "نفدت كميته"!!
وعلى أخي أن يكتم فرحته وحماسه بإحراز فريقه المفضل لهدف!!
وعلى أمي أن تتحدث "همسًا" في الهاتف حتى ولو كانت تتحدث مع شقيقتها التي تسكن في أقصى الصعيد ولم تراها منذ سنوات وتشتاق إليها لمجرد سماع اسمها!!

على الجميع أن يصمت...على العالم كله أن يصمت ...على الحياة نفسها أن تتوقف ...فأنا اشعر بألم!!

أنانية، نعم....
مدللة، ربما..
لكم أن تقولوا ما تشاءون ...ولكن تذكروا أنه لن يتحمل أحد منكم ألمي بالنيابة عني ...فالألم أناني ...لا يعرف الإيثار!!

منطق متغطرس وسليط اللسان..
منطق تبنيته وآمنت به...فقد كنت أرى أن الألم في حياتي يجب أن يموت قبل أن يولد....حتى ولو كان مجرد.. "صداع نصفي"!!

إلى أن قادتني الظروف غير السعيدة إلى إجراء عملية جراحية بسيطة في إحدى مستشفيات حكومتنا المستنيرة
والمشهد كالآتي...
زحام وفوضى وسوء معاملة...
ممرضات يصرخن...وضجيج في كل مكان
شخصيات وحكايات تروى في غرف الانتظار ..
وأعين تذرف دموعًا وتصرخ "أريد الشفاء"!!

وأتيت أنا كما أنا....

حاملة معي حقيبتي ومنطقي المتغطرس في الألم الذي يجب أن يموت قبل أن يولد!!
دخلت غرفة بخمس أسِّرة كان لي نصيب في واحد منهم.
ورأيت هنا الألم..

فها هو طفل لم تختر النيران التي شبت في منزله سوى مفصل قدميه لتلتهمه.. ليصبح بجانب تشوهه عاجز عن الحراك!
وها هي أم لثلاثة أطفال ترقد بين الحياة والموت بعد أن هشمتها سيارة في الطريق لتفيق من غيبوبتها على ألم آخر و هو فقدان ابنتها في نفس الحادث!
وفتاة جميلة...جميلة حقًا...شاء القدر أن يشوه نصف وجهها لتتوارى بعد ذلك خلف ستائر سريرها خوفًا من نظرة امتعاض من الآخرين!
وأجساد ملطخة بالدماء تحملها أيادي مسرعة نحو الأمل في النجاة من موت محقق!!

كانت صدمة....أشبه بصفعة على وجهي..
صفعة تقول لي: "أرأيت الألم؟!"

انزويت في أحد أركان الغرفة...وأخذت أبكي!!
بكيت لبكائهم ولصراخهم ولحكاياتهم!!

الحمد...

الحمد بالنسبة لي لم يكن أكثر من تلك العبارة التلقائية التي أقولها دومًا حينما يسألني أحدهم عن أحوالي!!
ولكن تلك الغرفة بحكاياتها جعلتني أوقن عمق هذه الكلمة

فما كنت "أتدلل" به لم يكن يساوي الواحد على المائة ألف مما كانوا "يصرخون" من أجله!!

مشهد لن يتكرر

عندما نشعر بالخوف ...
عندما تسكننا الوحشة..
وعندما ينكسر الكبر الذي بداخلنا...
ندرك وقتها أننا صغار!!

صغار أمام أنفسنا ...وأمام الألم
فلا نقوى على فعل شيء سوى اللجوء إلى من هو اكبر منا... ومن الألم....إلى الخالق عز وجل!

أمسكت بمصحفي وجلست على سريري البارد اقرأ بعض آيات القرآن الكريم...
كنت اقرأ بصوت خافت محاولة الخشوع وتدبر عمق الكلمات..
في تلك اللحظة كان هناك صوت آخر يشاركني الخشوع
صوت أراد أن يعلن هو الآخر عن رجائه

كان صوت تراتيل مسيحية تصدر من "كاسيت" جوزفين التي ترقد أختها بين الحياة والموت على السرير الذي بجواري!

كلانا ترجى الله...
كلانا كان الألم عدوه ..والشفاء مطلبه!

كنت اقرأ القرآن وصوت الإنجيل في أذني!!
صدق المشهد أخافني ...
ربما لأنه كان حقيقيًا جدًا في عصر كثرت فيه الفتن ...
وفي عصر الفتن.. قطرة الندى تخيف زهرة الصبار التي اعتادت العطش!!

رأتني جوزفين اقرأ القرآن فطلبت مني الدعاء لأختها!!
مشهد لن يتكرر...إن أردنا ذلك!!

تلك كانت الأيام التي قضيتها وسط الألم...لن أقول أنها الأسوأ في حياتي وبالطبع لم ولن تكون الأحسن، لكن سأقول أنها الأهم ..ربما الأهم على الإطلاق!!
فمن المهم أن تتألم قليلا لتعرف معنى السكينة.....ولتعرف من يهتم لأمرك

علمني ألمي ...كيف أرى آلام الآخرين ...وكيف أتخلى عن أنانيتي عند شعوري بالألم ..

فإذا عاود الزمان كرته، لن أرغم أبي على الذهاب إلى الصيدلية وسط ليل شتاء قارس ليحضر لي مسكن!
ولن اطلب من أمي أن تتحدث همسًا في الهاتف مع شقيقتها ..وإذا صادف وأحرز الفريق المفضل لأخي هدفًا ....سأهتف معه!!


الخميس، 4 مارس 2010

"نفسك تطلعي إيه؟!" (الجزء الأخير)


كنت منظمة الأفكار
كنت اعرف جيدًا عن أي شيء سأكتب ...
فهذه هي حلقتي الأخيرة ...
والباب سيغلق اليوم.
ولكن ما إن هممت بكتابة أولى حروفي....حتى تعثر القلم!!

فالفرق كبير بين أن تكتب حكاية تسرد أحداثها في سطور ..
وبين أن تكتب عن مشاعر لا تقوى السطور على ترجمتها!!

فالحكاية ما هي إلا وقائع عشتها أو عاصرتها، تسرد أحداثها لمن لا يعرفها.
كتابتها ليست بالأمر الصعب ..
فهي بالنسبة لأي قاص محترف أو حتى غير محترف... مجرد حكاية!
أما عن الكتابة عن ما تحب وما تكره فالأمر ليس سهلا على الإطلاق!
فالحب والكره مشاعر .....مشاعر غير ملموسة ..
ربما كان هناك من يحترفون الكتابة عنها...
كالشاعر الذي يصف الحب لك وكأنك تلمسه!
أو يجسد لك الكره وكأنك تراه!
هؤلاء يحترفون ترجمة المشاعر شعرًا
ولكن عفوًا.... أنا لست شاعرة!

ولأن القلم لازال متعثرًا حتى الآن ...سأبدأ بالشيء الذي يقوى عليه قلمي المسكين المتحير بين الكتابة والحذف!
سأبدأ بما أجيده الآن..
سأبدأ بالحكاية ...

ذات مرة، كنت أتحدث مع صديقة لي عن فيلم تشاركنا نحن الاثنان في الولع به ..
باختصار، كان فيلم "هملت" لـ Kenneth Branagh.. وما إن فًتح موضوع الفيلم إلا وأن قمت بالإشادة به في كل شيء بدءً من أداء الممثلين وعلى رأسهم Kenneth Branagh و Kate Winslet إلى حركة الكاميرا والديكور!

كنت أتحدث وأتحدث وكأن قام أحدهم بالضغط على زر السينماتغرافيا الذي بداخلي!!

لفتت نظري صديقتي إلى شغفي السينمائي والذي كان في بعض الأحيان مدعاة للسخرية من قبل البعض.
اقترحت عليَّ أن أتعلم كيف اصنع فيلمًا قصيرًا على أحد برامج الـ Software ...
كانت هذه أول مرة أعرف فيها أن بإمكاني أن أصنع فيلمي الصغير!!

في بادئ الأمر ..كان الأمر صعبًا إلى حدٍ ما ...فأنا لا أجيد التعامل مع برامج الـ Software ، فبيني وبينها ما صنع الحداد!
ولكن ما كان يجعلني أصر على تعلم هذا البرنامج ذو التفاصيل السخيفة ...هو أن بإمكاني أن اصنع فيلمي الصغير
كانت كل خطوة انجح في تعلمها، كانت بمثابة سطرًا جديدًا من سطور مشاعري التي لا أجيد كتابتها بالكلمات!

فالسينما صورة ..
صورة لما بداخلنا..
وأيًا كان ما بداخلنا، ...فالصورة جديرة بأن تفضحه!!

قرأت الكثير عن السعادة وعن كيفية الوصول إليها...
ولكن عندما رأيت صورة بألوان ذاهية .....فرحت!!

يطل علينا كل يوم في نشرة الأخبار، رجل وقور بكرافات أنيقة، يحكي لنا في سرد ممل معاناة الشعب الفلسطيني...
ولكن عندما رأيت صورة لسيدة فلسطينية تحتضن شجرة زيتون
قامت القوات الإسرائيلية باقتطاعها...
بكيت!!

الصورة هي نحن...
هي حقيقتنا..
هي التي تصرخ فينا لتقول:
"ها أنا أنتم"!!

وبالطبع لا أقصد تلك الصورة التي نبتسم فيها جميعًا وينتهي بها الحال في برواز أنيق لتوضع بعدها في صالون بيوتنا!!
بل أقصد هنا الصورة الحقيقة
الحقيقة بجمالها وقبحها..
برقتها وقسوتها..

الحقيقة دون ابتسامات مصطنعة وبراويز!!
فتكفينا براويز حياتنا الأنيقة التي أُقحمت بها تلك الابتسامات الكاذبة!!

قال لي أحد الزملاء: "يادي الصور اللي كلت دماغك"!!
كان هذا التعبير هو الأقرب لحقيقة ما أنا فيه الآن ...
فالصور "كلت دماغي فعلا"!!
ولأن السينما ما هي إلا صورة بُثت فيها الروح ...فكان ولعي بالأثنان ملفتًا للجميع!!

وكان فيلمي الصغير ...
والحق أنه لم يكن فيلم بالمعنى المتعارف عليه. فلم يكن هناك مجموعة من الممثلين يؤدون أدوارًا، ولم تكن هناك كاميرا!!
بل كان مجرد كليب من دقيقتين فقط لمجموعة من الصورة المعبرة عن القضية الفلسطينية مصحوبة بخلفية موسيقية لأغنية راجعون بصوت السيدة فيروز!!

كان الكليب بسيطًا جدًا ...
ابسط بكثير من تعليمات البرنامج المعقدة الذي تم تنفيذ الكليب من خلاله!!
ولكن كنت أراه لسان حالي ...
فقد كنت مؤمنة به...
مؤمنة بصورته...
مؤمنة بقضيته..
مؤمنة بأننا راجعون!!

وهذا هو كل شيء ...
الإيمان...
الإيمان بما أفعله....
الإحساس به....

كنت سعيدة بأول إنتاج سينمائي لي !!
إنتاج لم يكلفني شيء ...سوى بعض الوقت في البحث عن صور وكثير من الصبر على تعلم برنامج معقد.

هناك العشرات من مخرجي السينما العظام التي تتحدث عن أفلامهم الصحف ووسائل الإعلام ..
أفلامهم كانت تبهرني بالمعنى الحرفي للإبهار ....ولكن كنت دائمًا ما أفضل فيلمي الصغير عليهم!!

لسبب بسيط، هو أنه.... فيلمي أنا!!
أصبحت هوايتي الجديدة هي صناعة الأفلام القصيرة بواسطة ذلك البرنامج
كانت أفلامي الصغيرة تنال إعجاب الكثيرين حتى أن اقترح عليَّ بعضهم دراسة الإخراج السينمائي!

الإخراج السينمائي؟؟؟!!
كانت هذه المرة الأولى التي أفكر فيها في أمر ولا أقول بعدها:
"ولما لا؟"!!

ربما لأنها من الأشياء الحائرة بين قطبي الحلال والحرام॥

ربما لأنها من المهن البلورية التي يكفي أن نرى أصحابها من وراء الزجاج!!
فمجتمعًا دائمًا ما يخاف كسر الزجاج

أو ربما ما أفعله ليس إخراجًا من الأصل!

والحق أني لم أفكر في الأمر كثيرًا...لأني ببساطة لم أعد أهتم بالإجابة على سؤال مدونتي!!
فهذا السؤال الذي يبدو مهمًا ...أقحم عليَّ سؤالا آخر أكثر أهمية ...بل أعتبره سؤالا مصيريًا ...يصارعني وكأني عدوته!!

إذا حاولت الهروب منه ....
تتلفظه ألسنة الآخرين!
وإذاحاولت التصالح معه بجواب كاذب...
يقوم منطقه برفضه!

هو سؤالٌ عنيد ....يرفض الكذب والهروب
ولا يقبل غير المواجهة
وهو..
لماذا لم أعرف قدراتي من تلقاء نفسي؟
فلماذا لم أعرف أني أحب الرسم...إلا عندما أمتدح مراقب اللجنة لوحتي الصغيرة؟
لماذا لم أعرف أني أحب الكتابة ...إلا عندما أشادت مدرستي بموضوع التعبير الذي كتبته؟
لماذا لم أعرف أني من الممكن أن أصنع فيلم ....إلا عندما نبهتني صديقتي لذلك؟
لماذا دائمًا ما يجب أن يكون هناك "عامل مساعد"، يرشدني لما أحب؟
لماذا أنا هكذا؟
ولماذا لم أتغير بعد كل هذه السنين؟

يا الله،...أنها أسئلة كثيرة!!

أسئلة تنتظر الإجابة مني ...أو من الآخرين
لا أعرف ..
ولكن ما أعرفه جيدًا أنه كان حولي من ساعدني لكي أتحسس خطاي في ظلمة ما أحب وما أكره!
حتى ولو كان كل ما فعلوه مجرد إضاءة الشمعة!!

فشكرًا لمراقب اللجنة الذي لا أتذكر ملامحه حتى الآن!
وشكرًا لمدرستي التي كان أسمها بالمناسبة "أبلة وفاء"!
وشكرًا لصديقتي التي شجعتني لأتعلم كيف أن أعبر عن مشاعري في أفلام صغيرة

وشكرًا للسؤال الذي جعلني أواجه تكتمي وأكتب هذه الكلمات...
السؤال الذي لم أجب عليه حتى الآن!

"نفسك تطلعي إيه؟!"

الأربعاء، 27 يناير 2010

"نفسك تطلعي إيه؟!" (الجزء الثالث)

ورقة رغبات ...
كانت لها قدسية خاصة جدًا في تلك الليلة الموعودة ...

"اكتبي يا لبنى بقلم رصاص علشان ماتشغبطيش في الورقة"

"حاسبي يا بنتي الورقة هتقطع"

"خاللي الورقة على جنب علشان ما تتلخبطش مع الورق التاني"..

كانت ليلة ليلاء ...بطلتها الوحيدة "ورقة رغبات"!!
اذكر أن جميع أفراد عائلتي التفوا حول تلك الورقة وبدأ كل واحد منهم يدلو بدلوه:

"لبنى انت بتحبي الشعر إيه رأيك في كلية دار العلوم كرغبة أولى؟؟"

"لأ...كلية تربية رغبة أولى ॥المدرسين بيتعينوا بسرعة"

"لا..لا..حقوق حقوق"!!

كانت اقتراحاتهم شديدة التلقائية ..وكأنهم يتناقشون حول الوجبة المناسبة التي سيطلبونها من هاتف الـ "دليفري"!!
حسمت الموقف على غير عادتي وكتبت كلية الآداب جامعة عين شمس كرغبة أولى ...ولكن في أي قسم؟؟!
تلك هي المشكلة!!
هملت يُبعث من جديد في شخصي الكريم!!
قرأت تلك المسرحية التي تُعتبر من روائع ما كتب شكسبير فوق الثلاث مرات...
تابعتها في السينما والمسرح..وقرأت العديد من المقالات النقدية عنها

كنت ألوم على هملت تردده ...
فقد كان يمتلكني الغيظ الشديد في كل مرة اقرأ فيها أو أشاهد ذلك المشهد الشهير لمحاولة هملت قتل عمه وهو يصلي، ثم يتراجع هملت في آخر لحظة!!
كنت اصرخ بداخلي:
"هيا ..اقتله ..لما الانتظار؟" "ده أنت رخم رخامة"!!

كنت أعيب على هذه الشخصية حيرتها الدائمة ..إلى أن وقعت في الحيرة نفسها!!
فقد كان هناك شيئًا بداخلي أريد قتله ...ودائمًا ما كنت أتردد في اللحظة الأخيرة..
شيء هلامي غير محدد..
ربما الخوف ....ربما الشك..
نعم هو الشك....الشك الذي كلما أردت قتله أخاف أن يكون يقينًا!!

جواب مكتب التنسيق ....

أفاد "جواب مكتب التنسيق" بأنه قد تم قبولي في كلية الآداب جامعة عين شمس ...
وذهبت إلى الجامعة بصحبة والدي لاختيار القسم المجهول...
والحقيقة أن الكلية كانت أشبه بـ "مجلة للمنوعات"...ولأني من هواة البحث عن العالم، فقد كنت ابحث في الأقسام الخاصة باللغات أو الحضارات الأخرى في مجلة المنوعات هذه..

ولأن الالتحاق بقسم اللغة الإنجليزية كان يشترط الحصول على 48 درجة من مجموع 50 درجة كحد أدنى في مادة اللغة الإنجليزية، وهذا على اعتبار أن طلاب الثانوية العامة في مصر كانوا في الأصل أعضاء في الكونجرس الأمريكي ، فلم احتار كثيرًا في استبعاد قم اللغة الإنجليزية من حساباتي!

لم أكن أحب اللغة الفرنسية. ولم أكن أريد دراستها ..وقد حسمت الكلية الأمر من تلقاء نفسها قبل أن أحتار ...وذلك باشتراطها أن أكون خريجة لإحدى المدارس الفرنسية أو على الأقل درست اللغة الفرنسية كلغة أولى في المرحلة الإعدادية وهذا ما لم ينطبق عليَّ.

"خلاص ..بلاها سوسو"...وسأبحث من جديد...

قسم اللغة العبرية ....القسم المنبوذ ...فقد كان هناك تصور ساذج بأن طلاب هذا القسم "غير منتمين" أو فيهم شيء من الريبة لمجرد أنهم يدرسون لغة ودين وثقافة أعدائنا!!
كانوا محط سخرية باقي الطلاب لدرجة أن مكان تجمعهم في حديقة الجامعة كان يُسمى بـ "تل أبيب"!!

بالطبع لم أبالي بهذه التفاهات وحاولت الالتحاق بهذا القسم المثير للجدل ...فقد كنت دائمًا مهتمة بدراسة التاريخ اليهودي ..إن صحت هنا كلمة "تاريخ"!!

ولكن حدث أن قال لي أحد طلاب هذا القسم أو الأول على الدفعة كان تقديره "جيد"
"جيد" فقط!!
بالطبع أوحالي بأن الدراسة في هذا القسم صعبة وشاقة...خصوصًا أن الحروف العبرية لها طريقة معينة في القراءة والكتابة وفي كل شيء ....
حاولت أن استجمع شجاعتي ...واستبعد فكرة الفشل ..
ولكني ترددت..
ترددت في قتل شكٍ ..خفت أن يكون يقينًا!!
فأستبعدت هذا القسم من حساباتي على مضض كبير !!

قسم اللغات الشرقية ....فارسي ...تركي ...أوردي (لغة الهند وباكستان)
أعجبتني فكرة أن أدرس لغات لم أدرسها من قبل في حياتي ....لغات جديدة ...لحضارات قديمة ...

التحقت بهذا القسم ...وكنت سعيدة جدًا بالتحاقي به..
درست اللغات الثلاث في السنة الأولى وتخصصت في اللغة الفارسية في السنة الثانية وهذا بعد سجال طويل مع عائلتي ...

سجال ربما استمر لأربع سنوات هي مدة دراستي في هذا القسم!!
ربما لأن الفارسية لغة غير معروفة للكثيرين...
ربما لأن سوق العمل لا يتطلبها في مصر...
وربما لأسباب أخرى تتعلق بالسياسة لا علم لي بها!!

المهم أني أحببت هذه اللغة وتفوقت فيها أثناء دراستي ...فقد كنت احصل على تقدير امتياز في مادة الترجمة.

"الترجمة...لما لا؟؟!!"

كنت احدث نفسي بتلك الكلمات كلما ترجمت مقالاً وأبيات شعرية فارسية بشكل جيد ...فقد كنت اعشق الاطلاع على تلك الحضارة وآدابها ..وكأني أملك حياتين ...حياة عربية في مصر ...وحياة أخرى فارسية في بلاد فارس.
كان هذا دائمًا ما يميز أي دارس لأي لغة غريبة عليه..."امتلاك مفاتيح الحضارات" ...والأمر يصبح أكثر متعة حين تكون تلك الحضارات من أعظم حضارات التاريخ الإنساني.

أبهرتني تلك المعاني السامية التي كتبها عمر الخيام في رباعياته ...كنت أقوم بترجمتها في سعادة وكأني أول من نقلها إلى العربية!!
كنت مستمتعة بما افعله!!....عمر الخيام، حافظ الشيرازي وغيرهم من شعراء وأدباء فرس أثروا حضارتهم بما قدموه من أدب وفن في قصة قصيرة أو قصيدة. كنا نتنافس أنا وزملائي من منا يستطيع ترجمة هذه التحف الفنية إلى أقرب معنى لها بصيغة عربية بديعة وليست سليمة فقط!

كنا دائمًا نفكر في الجمال ....الجمال أولا قبل كل شيء ...فالترجمة فن ..وليست مجرد نقل للعبارات إلى لغتنا.
كنا مبدعين حقًا ...حتى من لم يكن مبدعًا منا تعلم معنى الذوق ومعنى جمال الكلمة...

إلى أن دخلت سوق العمل ...وهناك ..لا مكان للجمال ولا وقت للإبداع ...فقط "إنقل للعربية"!!
وخصوصًا في ذلك المجال الذي تخصصت فيه ..فقد أصبحت مترجمة لبرامج الـ Software بالفارسية!!

فتحولت "رباعيات الخيام"...إلى "انقر فوق الزر الأيمن"!!

لم أعد أرى جمالا ..ولم يُسمح لي أصلا باستخدام تعبيرات أدبية في الترجمة...
فالعميل لا يريد جمالا ...يريد فقط بيع منتجه!!

لم تكن صدمتي كبيرة ...فهي أشبه بالصدمات الثقافية التي نقابلها كل يوم ...علاجها الوحيد ..هو التأقلم معها وليس تغيرها.

فرباعيات الخيام لن تجني المال للشركات!!
ولا مكان للجمال في عالمٍ اختار القبح بمحض إرادته!!

الخميس، 14 يناير 2010

"نفسك تطلعي إيه؟!" (الجزء الثاني)



"يا أبيض.. يا أسود"!!
عبارة شهيرة تُقال عادةَ في لهجة حاسمة ووجه متجهم للتعبير عن الرغبة في تحديد المصير!!
لونين لا ثالث لهما...لا يقبلان أي لون آخر بينهما ....ولا يريدان حتى الإتحاد فيما بينهما ليصلا إلى اللون الرمادي ...ذلك اللون الحيادي الذي لا يُغضب أحدًا!!

عند انتقالي إلى تلك المرحلة التي يحلو للبعض تسميتها بـ "عنق الزجاجة" ..أو بمعنى أصح "الثانوية العامة"...ورغم أن التوتر والقلق توأمي الملتصق ..إلا أني في هذه المرحلة لم أشعر بذلك التوتر المفروض على كل طالب في الثانوية العامة ..لم أؤدي ذلك الواجب القومي في التوتر والقلق ...ليس لأني كنت طالبة فذة وعبقرية ولا أخاف تلك التفاهات التي تسمى بامتحانات آخر العام ...
لا ...بل لأنني كنت أعيش عالم رمادي ...فقد كان كل ما حولي رمادي ...
حوائط المدرسة....
زي المدرسة ....
وأحلامي أيضًا!!

في تلك المرحلة لم أكن ذلك الطالب الذي لديه حلم معين ويحترق من أجل تحقيقه!!


فلم أكن أريد شيئًا معينًا ...ولم أحب شيئًا معينًا ...

ولكن حدث ذات مرة أن قامت مدرسة اللغة العربية بإعطائنا بعض الفروض المدرسية ومن بينها كتابة موضوع تعبير عن مشكلة البطالة في مصر ...كان الموضوع محبطًا نوعًا ما لطلاب في مثل عمرنا ....
فقمت بكتابة الموضوع من باب أنه "واجب دراسي" أقوم به خوفًا من العقاب ...وليس لتعلم شيئًا جديدًا!!


في اليوم التالي، قمت بتسليم ما كتبته لمدرستي كباقي زميلاتي في الفصل غير مكترثة بتلك الأخطاء النحوية التي وقعت فيها أثناء كتابتي...فيكفيها أني قمت بالكتابة أصلا!!..
هكذا كنت أفكر !!

بعد يومين، جاءت مدرستي إلى الفصل وفوجئت بها تنادي باسمي:

"فين لبنى عبد الهادي؟؟!!"
لم أشعر بقدماي يومها حين وقفت والخوف يعتصرني ....كنت اسمع صوت دقات قلبي ..وظننت أن العالم كله يسمعها أيضًا!!

ماذا تريد مني مدرستي؟...ماذا فعلت؟!!.
من المؤكد أنه شيء خطير ما يجعلها تناديني باسمي كاملا دون تردد!

فقد كانت مشكلتي هي أن معظم مدرسيني ينسون اسمي!!
ولما لا.. فالفصل به أكثر من 50 طالبة يرتدون نفس الزي ...ونفس اللون الرمادي!!

كنت أُنادى دائمًا في الفصل بـ "اللي بعدها"!! ...وهذا على اعتبار أننا مجرد "تسلسل منتظم" وليس لنا اسماء!!

"تعالي يا لبنى هنا"...قالتها بهدوء شديد!!
كان مقعدي في آخر الفصل تقريبًا ...كما أحب دائمًا!


فقد كنت أكره المواجهة!!
مشيت في خطوات مترددة وأقول في نفسي:

"هي الأخطاء النحوية اللي عملتها!!...كان فيها إيه يعني لو كنت خليت بابا هو اللي يكتبلي الموضوع زي ما صحبتي عملت؟؟!!...كان لازم يعني اتفزلك واكتبه أنا؟؟ ليه يعني؟ أنيس منصور حضرتي؟!!"

أنيس منصور ....

كان الكاتب الأول بالنسبة لي في تلك المرحلة العمرية...وكنت أهوى مقالته الساخرة!! وكأنه يتحدث على لساني!!

نظرت إليها بعين استرحام وقبل أن أنطق بكلمة ....بادرت هي بامتداحها لأسلوبي في كتابة الموضوع ...وطلبت مني أن اقرأ الموضوع على زميلاتي في الفصل بصوت عالي!!
كاد أن يُغشى عليَّ من هول المفاجئة!!



أنا؟!...أسلوب جميل؟!..وصوت عالي؟؟!!

ثالوث آخر لا يجتمع فيَّ أبدًا ...على الأقل أثناء تلك المرحلة العمرية.

أمسكت بكراستي..وبدأت اقرأ أول سطور الموضوع في صوت مرتعش!!

قاطعتني زميلة لي موجهة كلامها إلى المدرسة:
"مش سامعين يا أبلة"!!

بدأت أرفع من مستوى صوتي فبدى ارتعاشه أكثر وضوحًا!!...إلى أن انتهى الموقف بتصفيق زميلاتي !!

كنت سعيدة ..غير مصدقة لما حدث ...لقد عرفت ما أريد!!...لقد أمسكت بطرف الخيط!!

الكتابة!! ...نعم !!...لماذا لا يكون هدفي هو الكتابة إذن؟...لماذا لا أكون صحفية مثلا والتحق بكلية الإعلام؟

كنت كالغارق الذي يتعلق بالقشة ...حتى ولو كان يدري أن مصيره هو الغرق لا محالة ...فالقشة بطبيعة الحال لا تحتمل ...ومجموعي أيضًا لم يحتمل!!...
ولأن مكتب التنسيق هو من يحدد أهدافنا وليس نحن..بدأت من جديد أبحث عن بديل ...
بديل لهدفي ... هدفي الذي لم يكن موجودًا في الأصل!!