الخميس، 4 مارس 2010

"نفسك تطلعي إيه؟!" (الجزء الأخير)


كنت منظمة الأفكار
كنت اعرف جيدًا عن أي شيء سأكتب ...
فهذه هي حلقتي الأخيرة ...
والباب سيغلق اليوم.
ولكن ما إن هممت بكتابة أولى حروفي....حتى تعثر القلم!!

فالفرق كبير بين أن تكتب حكاية تسرد أحداثها في سطور ..
وبين أن تكتب عن مشاعر لا تقوى السطور على ترجمتها!!

فالحكاية ما هي إلا وقائع عشتها أو عاصرتها، تسرد أحداثها لمن لا يعرفها.
كتابتها ليست بالأمر الصعب ..
فهي بالنسبة لأي قاص محترف أو حتى غير محترف... مجرد حكاية!
أما عن الكتابة عن ما تحب وما تكره فالأمر ليس سهلا على الإطلاق!
فالحب والكره مشاعر .....مشاعر غير ملموسة ..
ربما كان هناك من يحترفون الكتابة عنها...
كالشاعر الذي يصف الحب لك وكأنك تلمسه!
أو يجسد لك الكره وكأنك تراه!
هؤلاء يحترفون ترجمة المشاعر شعرًا
ولكن عفوًا.... أنا لست شاعرة!

ولأن القلم لازال متعثرًا حتى الآن ...سأبدأ بالشيء الذي يقوى عليه قلمي المسكين المتحير بين الكتابة والحذف!
سأبدأ بما أجيده الآن..
سأبدأ بالحكاية ...

ذات مرة، كنت أتحدث مع صديقة لي عن فيلم تشاركنا نحن الاثنان في الولع به ..
باختصار، كان فيلم "هملت" لـ Kenneth Branagh.. وما إن فًتح موضوع الفيلم إلا وأن قمت بالإشادة به في كل شيء بدءً من أداء الممثلين وعلى رأسهم Kenneth Branagh و Kate Winslet إلى حركة الكاميرا والديكور!

كنت أتحدث وأتحدث وكأن قام أحدهم بالضغط على زر السينماتغرافيا الذي بداخلي!!

لفتت نظري صديقتي إلى شغفي السينمائي والذي كان في بعض الأحيان مدعاة للسخرية من قبل البعض.
اقترحت عليَّ أن أتعلم كيف اصنع فيلمًا قصيرًا على أحد برامج الـ Software ...
كانت هذه أول مرة أعرف فيها أن بإمكاني أن أصنع فيلمي الصغير!!

في بادئ الأمر ..كان الأمر صعبًا إلى حدٍ ما ...فأنا لا أجيد التعامل مع برامج الـ Software ، فبيني وبينها ما صنع الحداد!
ولكن ما كان يجعلني أصر على تعلم هذا البرنامج ذو التفاصيل السخيفة ...هو أن بإمكاني أن اصنع فيلمي الصغير
كانت كل خطوة انجح في تعلمها، كانت بمثابة سطرًا جديدًا من سطور مشاعري التي لا أجيد كتابتها بالكلمات!

فالسينما صورة ..
صورة لما بداخلنا..
وأيًا كان ما بداخلنا، ...فالصورة جديرة بأن تفضحه!!

قرأت الكثير عن السعادة وعن كيفية الوصول إليها...
ولكن عندما رأيت صورة بألوان ذاهية .....فرحت!!

يطل علينا كل يوم في نشرة الأخبار، رجل وقور بكرافات أنيقة، يحكي لنا في سرد ممل معاناة الشعب الفلسطيني...
ولكن عندما رأيت صورة لسيدة فلسطينية تحتضن شجرة زيتون
قامت القوات الإسرائيلية باقتطاعها...
بكيت!!

الصورة هي نحن...
هي حقيقتنا..
هي التي تصرخ فينا لتقول:
"ها أنا أنتم"!!

وبالطبع لا أقصد تلك الصورة التي نبتسم فيها جميعًا وينتهي بها الحال في برواز أنيق لتوضع بعدها في صالون بيوتنا!!
بل أقصد هنا الصورة الحقيقة
الحقيقة بجمالها وقبحها..
برقتها وقسوتها..

الحقيقة دون ابتسامات مصطنعة وبراويز!!
فتكفينا براويز حياتنا الأنيقة التي أُقحمت بها تلك الابتسامات الكاذبة!!

قال لي أحد الزملاء: "يادي الصور اللي كلت دماغك"!!
كان هذا التعبير هو الأقرب لحقيقة ما أنا فيه الآن ...
فالصور "كلت دماغي فعلا"!!
ولأن السينما ما هي إلا صورة بُثت فيها الروح ...فكان ولعي بالأثنان ملفتًا للجميع!!

وكان فيلمي الصغير ...
والحق أنه لم يكن فيلم بالمعنى المتعارف عليه. فلم يكن هناك مجموعة من الممثلين يؤدون أدوارًا، ولم تكن هناك كاميرا!!
بل كان مجرد كليب من دقيقتين فقط لمجموعة من الصورة المعبرة عن القضية الفلسطينية مصحوبة بخلفية موسيقية لأغنية راجعون بصوت السيدة فيروز!!

كان الكليب بسيطًا جدًا ...
ابسط بكثير من تعليمات البرنامج المعقدة الذي تم تنفيذ الكليب من خلاله!!
ولكن كنت أراه لسان حالي ...
فقد كنت مؤمنة به...
مؤمنة بصورته...
مؤمنة بقضيته..
مؤمنة بأننا راجعون!!

وهذا هو كل شيء ...
الإيمان...
الإيمان بما أفعله....
الإحساس به....

كنت سعيدة بأول إنتاج سينمائي لي !!
إنتاج لم يكلفني شيء ...سوى بعض الوقت في البحث عن صور وكثير من الصبر على تعلم برنامج معقد.

هناك العشرات من مخرجي السينما العظام التي تتحدث عن أفلامهم الصحف ووسائل الإعلام ..
أفلامهم كانت تبهرني بالمعنى الحرفي للإبهار ....ولكن كنت دائمًا ما أفضل فيلمي الصغير عليهم!!

لسبب بسيط، هو أنه.... فيلمي أنا!!
أصبحت هوايتي الجديدة هي صناعة الأفلام القصيرة بواسطة ذلك البرنامج
كانت أفلامي الصغيرة تنال إعجاب الكثيرين حتى أن اقترح عليَّ بعضهم دراسة الإخراج السينمائي!

الإخراج السينمائي؟؟؟!!
كانت هذه المرة الأولى التي أفكر فيها في أمر ولا أقول بعدها:
"ولما لا؟"!!

ربما لأنها من الأشياء الحائرة بين قطبي الحلال والحرام॥

ربما لأنها من المهن البلورية التي يكفي أن نرى أصحابها من وراء الزجاج!!
فمجتمعًا دائمًا ما يخاف كسر الزجاج

أو ربما ما أفعله ليس إخراجًا من الأصل!

والحق أني لم أفكر في الأمر كثيرًا...لأني ببساطة لم أعد أهتم بالإجابة على سؤال مدونتي!!
فهذا السؤال الذي يبدو مهمًا ...أقحم عليَّ سؤالا آخر أكثر أهمية ...بل أعتبره سؤالا مصيريًا ...يصارعني وكأني عدوته!!

إذا حاولت الهروب منه ....
تتلفظه ألسنة الآخرين!
وإذاحاولت التصالح معه بجواب كاذب...
يقوم منطقه برفضه!

هو سؤالٌ عنيد ....يرفض الكذب والهروب
ولا يقبل غير المواجهة
وهو..
لماذا لم أعرف قدراتي من تلقاء نفسي؟
فلماذا لم أعرف أني أحب الرسم...إلا عندما أمتدح مراقب اللجنة لوحتي الصغيرة؟
لماذا لم أعرف أني أحب الكتابة ...إلا عندما أشادت مدرستي بموضوع التعبير الذي كتبته؟
لماذا لم أعرف أني من الممكن أن أصنع فيلم ....إلا عندما نبهتني صديقتي لذلك؟
لماذا دائمًا ما يجب أن يكون هناك "عامل مساعد"، يرشدني لما أحب؟
لماذا أنا هكذا؟
ولماذا لم أتغير بعد كل هذه السنين؟

يا الله،...أنها أسئلة كثيرة!!

أسئلة تنتظر الإجابة مني ...أو من الآخرين
لا أعرف ..
ولكن ما أعرفه جيدًا أنه كان حولي من ساعدني لكي أتحسس خطاي في ظلمة ما أحب وما أكره!
حتى ولو كان كل ما فعلوه مجرد إضاءة الشمعة!!

فشكرًا لمراقب اللجنة الذي لا أتذكر ملامحه حتى الآن!
وشكرًا لمدرستي التي كان أسمها بالمناسبة "أبلة وفاء"!
وشكرًا لصديقتي التي شجعتني لأتعلم كيف أن أعبر عن مشاعري في أفلام صغيرة

وشكرًا للسؤال الذي جعلني أواجه تكتمي وأكتب هذه الكلمات...
السؤال الذي لم أجب عليه حتى الآن!

"نفسك تطلعي إيه؟!"