بدت الصورة .. كصورة رمادية قاتمة لا ألوان فيها غير ألوان البالونات المستديرة.
يا صَوتي ضَلك طاير
لم تكن مجرد عبارة قالتها فيروز في أغنية..بل كان نداءٍ ترتجف حواسي عند سماعه..فكانت مدونتي.. "يا صوتي ضلك طاير"!!
الاثنين، 20 مايو 2013
بالونات ملونة ♥
بدت الصورة .. كصورة رمادية قاتمة لا ألوان فيها غير ألوان البالونات المستديرة.
الأحد، 24 مارس 2013
أتراك ولكن ..
واذكر أن شاهدت حلقة من مسلسل تركي كان يتناول هذه الفترة، وعجبت حين علمت من سير الأحداث أن بطلة القصة، والتي تعمل راقصة، كانت تتخفى وراء اسم يوناني حتى لا يطاردها العسكر العثمانيون لأن القانون لا يسمح للمسلمة أن تعمل بمهن تتنافي مع الأخلاق الإسلامية كالرقص!
قطعًا كانت الدولة العثمانية تعاني قبيل سقوطها من الضعف والفساد وظلم حكامها. ولكن إن أردنا أن ننتقد، فلنكن موضوعيين ولا نخوض في أعراض من ننتقدهم. فلعل هناك ما لا نعرفه. لأننا، وللأسف الشديد وأنا أول من وقع في ذلك الفخ، نأخذ التاريخ من كما رأيناه على الشاشة. والشاشة أحياننًا كثيرة ما تخدع.
الجمعة، 22 مارس 2013
الآخر..
هو ذلك الطرف البعيد عنك، القريب منك.
هو نقيضك وربما عدوك. وربما أنت، وأنت لا تدري.
كان مقتل الطفل محمد الدرة بتلك الصورة الوحشية مشهد لم ولن انساه يومًا. اذكر تلك الليلة جيدًا. فور عرض تلك اللقطة، أسرعت إلى غرفتي وانهرت في بكاءٍ لا يتوقف.
سألني أخي محاولا تهدئتي ولم أُجب. ولم يعرف لماذا كنت أبكي تلك الليلة إلى اليوم.
مع رؤية الدماء بشكل يومي والبيوت التي قصفتها صواريخ الطائرات، أصبحت أرائي بخصوص القضية الفلسطينية تميل إلى التطرف نوعًا ما. كان في رأيي أن الفلسطينيين من حقهم مقاومة المحتل بأي شكلٍ كان ومن أي مكانٍ كان. فبلادهم محتلة. وهم من يُقتلون كل يوم بدم بارد فلهم الحق كل الحق في مقاومة العدو الإسرائيلي.
كنت أرى طرف واحد في القضية هو من يجب أن يكون منتصرًا دائمًا دون النظر إلى أية عواقب.
إلى أن مررت بنقطة التحول الفكري حول هذا الموضوع. لم تكن نقطة التحول هذه مزيدًا من القراءة مثلا حول القضية الفلسطينية أو إنصات لآراء الخبراء السياسيين الأكثر خبرة ودراية بتلك الأمور في برامج التوك شو. لا. بل كانت مشاهدتي لفيلم سينمائي. فيلم "باب الشمس" للمخرج "يسري نصر الله" بجزئيه "الرحيل" و"العودة" كان نقطة التحول هذه.
رأيت الآخر فيه. رأيت كيف مزقت الحرب الأهلية لبنان وكيف كان "العقاب الجماعي" هو حل السحري الجبان لإسرئيل لتضغط به على المقاومة الفلسطينية هناك. رأيت الآخر يُقتل في بلده دون جريرة اقترفها. ورأيت بيوتًا تهدم على رؤوس أصاحبها الآمنين. رأيت اجتياحًا إسرائيليًا آخر واحتلال جديد ودماء أخرى تُراق بلا ذنب.
أصبحت آرائي تميل إلى الاعتدال حول هذا الموضوع وهي باختصار: "إن كنت تريد مقاومة عدوك، أن تحرر أرضك، فكن مقاومًا ومحررًا وانت تقف عليها وليس على أراضي الغير".
أصبحت أكثر نضجًا في حكمي على الأمور حين نجحت في وضع الآخر نصب عيني أولا.
إلى أن جاء "امتحان" لهذا النضج على أرض الواقع.
زميل جديد لي في العمل عاش فترة من عمره في إسرائيل بحكم منصب والده والذي كان دبلوماسيًا في سفارتنا بتل أبيب ويحمل بعض الأفكار اعتبرها صهيونية ومن المفترض أن نعمل سويًا.. يا سلام!
اعترف أنى أخذت منه موقف منذ البداية. لم أكن حتى القي عليه السلام. بل وصل بي الأمر إني اعتبرت قبولي لـ"عزومته" على كوب من النيسكافيه ببوفيه الشركة تطبيعًا مع إسرائيل!
ويومها كان حديثي عن كوب النيسكافيه وهل قبولي لعزومته تلك خيانة للقضية الفلسطينية أم لا، أكثر من حديثي عن العمل ومشكلاته.
كان حديثي عن تلك الواقعة مثير للسخرية حقًا.
ورغم أن قوانين الشركة تمنع التحدث في السياسة أو الدين، إلا أن كثيرًا ما كنا نتشاجر بخصوص القضية الفلسطينية. كانت آراءه التي اعتبرها استفزازية وخصوصًا أنها تخرج من عربي مسلم، تتلخص في أن إسرائيل تعتبر من أكثر الدول ديمقراطية واحترامًا للحريات الشخصية وهذا ما كنت اعتبره "هراءً" ومحض كذب لأن لا معنى لديمقراطية لا تطبق إلا على فئة معينة من الشعب واحترام الحريات وانت تحتل أراضي الغير شيء يدعو للسخرية. كنا نتجادل طويلا إلى أن نصل إلى نقطة النهاية بإثارة نقطة الخلاف الجوهرية حين اسأل عن من تُراق دمائهم في فلسطين فيجيب "الفلسطينيين هما اللي بيضربوا صورايخ" لأغلق بعدها باب المناقشة يعقبه توتر شديد في التعامل فيما بيننا.
لم يكن احمد متعصبًا لرأيه. أقصد لم يكن ذلك النوع الذي يعلو صوته أو يلوح بيده. بالعكس كان هادئًا ودائم الابتسام رغم إصراره على رأيه. والأكثر غرابة أنه لم يُقحم اختلافنا أو بمعنى اصح "خلافنا" في العمل ولو لمرة!. بل كان متعاون لأبعد درجة. "جدع" لأبعد درجة. وقف بجانبي في أكثر من مشكلة في العمل. تطوع بتقديم محاضرات في "التوعية السياسية" أتناء فترة الانتخابات الرئاسية ومجلس الشعب لزملائنا في الشركة بعد فترة الدوام وهذا بحكم تخرجه من كلية الاقتصاد والعلوم السياسية. كنت دائمًا أقول له مازحةً: "خسارتك في إسرائيل"! فيضحك ولا يرد.
لم افهم تلك الشخصية يومًا. كيف يفكر بهذه الطريقة رغم شخصيته الودودة. قال شيطاني: "الإسرائيليين كلهم كده بيتمسكنوا" ولكن تمهلت للحظة وقلت: "بس أحمد مش إسرائيلي"!
وقتها كنت غارقة في قراءة رواية "غرفة العناية المركزة" للأديب الدكتور عز الدين شكري وبهرتني كيفيه تقديمه للآخر. بين صفحات الرواية كان هناك حوارًا رائعًا على لسان شخصيتين من شخصيات الرواية.
والشخصيتين من المحاربين القدامى بحرب أكتوبر. الأول أصبح رجل يعمل في جهاز أمني حساس والثاني أختار أن يعمل بالسياحة وسيتقبل أفواجًا من إسرائيل على ذات الأرض التي حاربوا عليها ومن أجلها. بالطبع كنت ضد رجل السياحة ولكن كان منطقيًا في تحليله للوضع. هو أراد السلام ومن حقه أن يريد ما يشاء. فقد قالها صريحة. لقد حررت أرضي وانتهى الأمر. ولن أقضي طول حياتي أحارب أناس لا أعرفهم.
وقتها تذكرت زميلي أحمد ولأول مرة قررت أن أفكر بعقله هو وليس بمنطقي أنا. وضعت نفسي مكانه في كل التفاصيل. فرأيته شخصًا آخر غير تلك الصورة التي رسمتها مخيلتي العدائية نحوه.
هو شاب صغير السن. قضى سنوات من عمره بينهم. دراسته بالخارج فرضت عليه تلك العقلية الغربية التي تستبعد فكرة "القومية العربية" أو القوميات بشكل عام. فمن طبيعي أن لا يعاديهم طوال الوقت ولا يرى أي جانب آخر فيهم سوى أنهم "بني آدمين وخلاص". ومع الوقت بدأت أراه أكثر. أراه بوضوح أكثر. وفي كل مرة كنت أتلمس فيه هو الآخر نضج فكري جديد. وبدأ يحلل الأمور بشكل موضوعي أكثر من ذي قبل. وكأنه أخذ يخوض ذات اللعبة ويضع نفسه مكان الآخرين. مازلنا مختلفين. نعم. ولكن بدأ كل منا يرى بعين الآخر الجانب الخلافي من القضية. فوصلنا إلى نقطة التلاقي، وهي أن كل إنسان من حقه أن يعيش وأن لا تُراق دمائه غدرًا وأن لا تُكبل حريته قسرًا. وإن أردناها حربًا، فلتكن متكافئة الأطراف.
الأحد، 15 أبريل 2012
وهلأ لوين؟ .. ثورة نساء
لم تخذلني نادين لبكي عندما راهنت على هذا الفيلم.
قلت "ستفعلها" .. وقد فعلت!
منذ الإعلان عن الفيلم وأنا متابعة لأخباره ..
مَن أبطاله .. أين سُيعرض .. ماذا كُتب عنه ..
فبعد مشاهدتي لفيلمها " سكر بنات" .. أصبحت المخرجة اللبنانية نادين لبكي بالنسبة لي، حالة فنية فريدة تستحق الدراسة.
مع المشهد الأول سيأخذك الفيلم إلى حكاية ترويها نادين لبكي بصوتها عن قرية أو "ضيعة" بعيدة .. معزولة ..
بينها وبين الحرب الأهلية هناك في المدينة جبال ووديان .. وحب فيما بينهم.
لم تكن الطائفية كلمة لها معنى بين رجالها ونسائها
قرية يعيش مسلميها ومسيحييها بالمعني الحرفي .. "تحت سقف واحد".
يضحكون سويًا ويتسامرون سويًا في مشاهد عفوية بديعة.. لا يخشى أحد من أحد .. ولا يحقد أحد على أحد
إلى أن حدث ذات مرة ووصل "موروكوز" - أحد شباب القرية - حاملا على عربته التي اعتاد الذهاب والإياب بها من وإلى المدينة لشراء متطلبات أهل القرية، جهاز راديو وتليفزيون من مخلفات الحرب .. وأتت أخبار الحرب.
"اشتباكات طائفية بين مسلمين ومسيحيين أدت إلى سقوط أربعة جرحى"
كان الخبر يصدر من الراديو الذي كان من نصيب مقهى الست آمال "نادين لبكي" التي أسرعت بإطفائه فور إذاعة هذا الخبر خوفًا من يسمعه أحد من رجال القرية الجالسين بالمقهى.
وبذلك الخبر بدأت ثورة النساء..
النساء كما خلقهن الله رغم ضعفهن وقلة حيلتهن لديهن من القوة والدهاء والحكمة ما يجعلهن أكثر نفوذًا وسطوة على الرجل ..ودون أن يدري.
بدأت الاجتماعات السرية لنساء القرية مسلمات ومسيحيات لمناقشة الوضع وكيف يتم إخفاء تلك الأخبار عن رجالها، فقد ذقن الأمرين إثر فقدان أحبائهن في حرب طائفية لا يردن تكرارها هنا.
كن كالأطفال في محاولاتهن المستميتة لإخفاء أخبار الحرب.
يحرقن الجرائد قبل وصولها.
يفتعلن مشاجرة أثناء نشرة الأخبار .. للتشويش على ما تقوله المذيعة من أخبار عن الحرب حتى لا يسمعها الرجال.
يذهبن سرًا في ظلام الليل كعصابة بالكشافات إلى مكان تواجد التليفزيون في محاولة لتعطيله وحينما يفشلن في معرفة أي"الكابلات" مسئول عن تشغيله، تقوم الست "عفاف" بانتزاع كل الكابلات مرة واحدة كطفل يريد تحطيم دميته.
ولكن الطائفية كبركان اللهب .. لا يمكن إخفائه ببضعة وريقات شجر ..
استيقظ أهل القرية ذات صباح ليفاجئوا بدخول أغنام وماعز مسجد القرية. فيصرخ "أبو أحمد": بيت الله يا كلاب!
وكان الصدام الأول.
أول شرخ في ذلك البنيان القوي الذي كان يُسمى "وحدتهم"
كان ذلك الصدام "صادم" أيضًا على مستوى الصورة ..
فقد أمسك "أبو أحمد" بعصا وليحطم بها بعد ذلك تمثال السيدة العذراء بالكنيسة المجاورة للمسجد وسط ذهول وصدمة كل من حوله مسلمين كانوا أو مسيحيين، لتجسد نادين لبكي وبحرفية شديدة في هذا المشهد الجريء مدى قبح ودناءة الغضب الطائفي كما هو ودون مجاملة لرقيب.
مشهد صدمني وآثار حفيظتي ولكنه حقيقي ولم أشعر أنه مفتعل أو مبالغ فيه.
فبيننا من الأغبياء ما لا يردعهم على فعل ذلك شيء.
وفي لقطة أقل ما يُقال عنها أنها آسرة، يأتين نساء مسلمات ليجمعوا حطام تمثال السيدة العذراء لإصلاحه ويشاركن نساء مسيحيات المسلمات في تنظيف المسجد.
لم يعد في المقدور إخفاء شيء .. فالنار قد اشتعلت وأصبح كلا الطرفين يحمل ضغينة للآخر.
يجلسن النساء ليفكرن ماذا يفعلن؟ وما الحيلة الجديدة لإلهاء رجالهن عن ذلك التعصب الأعمى؟
فيقررن في النهاية أن يحاربن الرجال بالنساء!
وهنا تبدأ الكوميديا
يتفقن نساء القرية مسلمات ومسيحيات على أن يُحضرن إلى القرية فرقة لراقصات روسيات كن قد قرأن إعلان لحفلة لهن من قبل. متناسيين بذلك حتى شعورهم الأنثوي الغريزي بالغيرة على رجالهن.
وبعد أن دبرن المال وبالاتفاق المسبق مع الفرقة، تأتي الفرقة إلى القرية متخفين تحت ستار أن الحافلة قد تعطلت أمام تلك القرية بالذات وعلى أهل القرية استضافتهم.
انبهر الرجال بالشقراوات.
تزاحموا أمام الحلاق.
تنافسوا على وسامتهم .. ونسوا ما كان يفرقهم.
كان الإلهاء سلاح النساء الوحيد. ولكنه يظل
الأضعف أمام غباء الرجل.
ذات يوم، سخر أحد الرجال المسيحيين من "ربيع" المسلم في مقهى "الست آمال" فما من "ربيع" إلا وسبه. فنشبت معركة بين المسلمين والمسيحيين داخل المقهى. فما من آمال "نادين لبكي" إلا وصرخت فيهم غضبًا، ويأسًا، وحزنًا على قصة الحب المستحيلة بينها وبين "ربيع" الذي أضاف بتعصبه هذا حاجزًا آخر غير الدين بين قلبه وقلبها في مشهد من أروع مشاهد الفيلم من حيث الصورة والأداء وتوظيف الموسيقى التصويرية.
في الموت حياة
لم يكن مثلهم. لم يشاركهم تلك الحماقات. كان ذلك الأمل الذي ضاع. والوجه الملائكي الذي غطاه الثرى.
نسيم. ذلك الاسم الجميل، والمعنى الأجمل.
ولكن هذه هي الحرب. لا تأخذ سوى الأغلى.
يصل موروكوز إلى القرية صامتاً. حاملا معه الموت على عربته.
فقد ضل الطريق في المدينة عند عودته وسلك شارعًا تصادف وجود اشتباكات بين مسلمين ومسيحيين. فكانت رصاصة النهاية من نصيب أخيه نسيم.
بكيت في هذا المشهد من هول أداء المبدعة "كلود موسوبا" التي قامت بدور الأم "الست تقلا" وهي تنتظر ردًا من ابنها القتيل. الذي لا يرد.
وتعجبت من تلك الصلابة التي تحلت بها تقلا الأم وكلود الممثلة حين قررت إخفاء الأمر عن أهل القرية وخصوصًا ابنها البكر عصام المتعصب بطبعه خوفًا من أن تشتعل نار فتنة جديدة.
فنراها تقوم بتغسيل نسيم سرًا. وإخفاء جثته في البئر سرًا. وتأمر ابنها موروكوز بمواصلة عمله بشكل طبيعي وابنتها بالكف عن البكاء وارتداء الملابس الملونة. وتتعمد نشر ملابس نسيم لتجف وليراها الناس. وتتفقد غرفته وتترك مصباح الغرفة مضاءً لتوحي للجيران بأنه سهران. وكأن شيئًا لم يكن.
ما هذا؟!
أهو الصبر؟ أم حكمة امرأة وقد فاقت كل حد؟
"ردي لي إياه!"
بين الإيمان والكفر لحظة.
لحظة سخط. لحظة يأس. لحظة خيبة أمل. هي لحظة غير مفهومة على الإطلاق. لأنها لحظة تختلط بها كل المشاعر الغضب.
كان موت نسيم بالنسبة لـ تقلا، تلك اللحظة.
ذهبت إلى الكنيسة كالمجنونة في مشهد صُنع بحرفية شديدة في حركة الكاميرا والموسيقى التصويرية. تدخل الكنيسة ثائرة وفي لقطة غير مُصدقة تقذف تمثال السيدة العذراء بالتراب أو شيء من هذا القبيل، وتصب كل غضبها على العدرا التي خذلتها ولم تحمي ابنها رغم صلواتها لها. وتصرخ تقلا في وجه تمثال السيدة العذراء: "ردي لي إياه .. ردي لي إياه ". كانت كلمات تقلا للسيدة العذراء رغم قسوتها، موجعة.
والسر في ذلك أن الإحساس صار أعمق لأنه أصبح خارج دائرة الدين فلم تكن كلمات تقلا مناجاة في صلاة للسيدة العذراء. بل كانت كلمات من أم لأم. فتتوعد تقلا بأنها لن تدخل الكنيسة ثانية وينتهي المشهد بتمثال السيدة العذراء وهي تبكي دمًا.
وهذا ما كانت تفعله بي المخرجة "نادين لبكي" طوال مدة مشاهدتي الفيلم. أبكي دمًا بعد الضحك من كل قلبي.
موروكوز الجريح في أخيه، اصبح متحفزًا
ذات نهار، يرى صديقه "حمودي" المسلم مرتديًا قبعة أخيه "نسيم" الذي قد أخذها منه من قبل على سبيل المزاح، فيُجن جنونه ويتشاجر معه ليستعيدها.
تذهب الست عفاف "أم حمودي" بابنها إلى بيت تقلا للاعتذار، مؤنبة إياه على ما فعله مع موروكوز ولإرجاع القبعة!
يعتذر حمودي للست تقلا على ما بدر منه، لكن أمه تصر على أن يدخلا البيت ليعتذر لنسيم بنفسه.
وهنا المأزق، ترفض تقلا بلطف دخولهما بحجة أن نسيم مكعب أي مصاب بالحصبة، لكن مع إصرار الأم ينجحا في الدخول.
يتكلم حمودي مع نسيم من خلف الباب حتى لا يُصاب بالعدوى!
نسيم غير الموجود من الأصل.
كان هذا أكثر مشاهد الفيلم عفوية وحميمية. شاب مسلم يعتذر لصديقه المسيحي القتيل من وراء الباب معتقدًا أنه يسمعه!
كلماته العفوية الطيبة كانت تزيد تقلا ألمًا رغم ابتسامتها الباكية.
وانكشف السر! عرفت الست عفاف أن نسيم قد أصيب من قبل بالحصبة وهو صغير وهذا يعني استحالة مرضه ثانية بذات المرض. ذهبت ومعها النساء لمعرفة الأمر. وعرفن الأمر.
وفي مشهد مُبكي، أراد عصام أن يقتل ثأرًا لأخيه. يقتل أي أحد ثأرًا لأخيه. كان يبحث عن بندقيته كالمجنون غير عابئ بتوسلات أمه الثكلى في ابنها والتي لا تريد أن يُقتل عصام هو الآخر لذات السبب الغبي.
كان معرفة عصام بأمر مقتل أخيه نذير خطر قادم لا محالة.
تجمعن النساء ثانيةً لتدبير حيلة جديدة. ولكن هذه المرة كانت الحيلة مجنونة لدرجة تستوجب أخذ إذن رجال الدين قبل تنفيذها. تشاور قس القرية وشيخها في أمر تلك الحيلة مترددين في بادئ الأمر، لكنهما أدركا بعد ذلك أن هؤلاء النساء يستطعن بتلك الحيلة وقف سيل دم قادم بعد مقتل نسيم.
كانت الحيلة هي وضع كمية من الحشيش مع بعض الحبوب المخدرة في مخبوزات سيقمن بإعدادها وتقديمها للرجال في جلسة صلح زائفة سيدعي كلا من قس القرية وشيخها بتنظيمها في مقهى الست آمال حتى يتمكن النساء من التخلص من جميع الأسلحة الموجودة بالقرية ودون أن يشعر بهن الرجال. ويجتمعن النساء سرًا مرة أخرى مسلمات ومسيحيات داخل مخبز القرية لتنفيذ المهمة في مشهد موسيقي جميل لا يخلو من الكوميديا وتوظيف جيد لأغنية "حشيشة قلبي".
ووقع الرجال في الفخ.
وصلوا جميعًا مسلمين ومسيحيين إلى المقهى منتظرين القس والشيخ. وشرعوا في تناول المخبوزات، ونسائهم يراقبن.
تخدر الجميع. وبدأت هستيريا الضحك، ومن ثم عرض الراقصات. فاستغلت النساء ذلك وخرجن ليتخلصن من الأسلحة.
ولكن لم تنته الحيلة بعد ..
يفيق الرجال من سكرتهم في الصباح على ما كانوا يظنوه مستحيلاً. على صفعة النساء الأخيرة.
وتخبر تقلا ابنها عصام بأنها صارت مسلمة مثلهم، فمن عساه يريد أن يقتل؟!
مشهد التحول الديني الزائف، كان أروع مشاهد الفيلم، مشهد عجزت حتى عن وصفه. لم يكن كوميديًا رغم أني ضحكت، ولم يكن تراجيديًا رغم جديته.
ما أثق به أنه كان حقًا صفعة!
عليهم الآن أن يدفنوا نسيم.
وفي مشهد جنائزي، جاء مشهد النهاية الحزين.
أهل القرية مسلمين ومسيحيين يحملون نعش نسيم ليصلوا به إلى مفترق الطريق هنا مقابر للمسلمين وهناك مقابر للمسيحيين ليأتي السؤال الفيلم المحير"وهلأ لوين؟!"، كنهاية.
فيلم "وهلأ لوين؟!" فيلم صادق وحقيقي لأبعد درجة. فيلم يبتعد بك بعيدًا عن العظات المتكلفة ليدخل بك إلى داخل نفسك وأنت تضحك مرة وتبكي أخرى. وقبل الضحك والبكاء، كانت هناك ابتسامة سعادة لي حين رأيت في بداية الفيلم اسم مصر ضمن المشاركين في إنتاج عمل بهذا الرقي.