الثلاثاء، 24 نوفمبر 2009

"لما يصعبوا عليكي ...ابقي افتكري فلسطين"!!



كنت أشاهد فيلم The Pianist. كنت متأثرة كثيرًا بما حدث.... أي عقل بشري ....بل أي جنون يستطيع أن يقبل بهذا؟!!...كيف يستطيع إنسان مهما كانت غطرسته وتعاليه أن يقرر فجأة ...قتل الآلاف من البشر لمجرد أنهم "يهود"؟!!
فتلك كانت جريمتهم الوحيدة ...انهم كانوا يهود!! في عصر النازي مجرد كونك يهوديًا يكفي لقتلك!!...ولا يهم كونك طفل أو امرأة أو مريض أو مسن ...فليس هناك أي عذر يشفع لك، فجريمتك أكبر بكثير من أي عذر ...أكبر من الإنسانية نفسها!! مر أخي بجانبي وأنا أشاهد الفيلم، وشاهد إحدى اللقطات الدامية من الفيلم....وقال بنبرة آسفة: "ياه ...إيه ده؟!!" فقلت له: "دول كانوا يهود ...وعلشان كده هتلر كان بيقتل فيهم". فسرعان ما تحولت النبرة الآسفة إلى ابتسامة عريضة على وجهه، وقال بحماس: "الراجل ده ميه ميه، وعمل معاهم الصح!!" كان الفيلم رائعًا ولم أُرد أن أضيع مشاهدته في جدال فارغ مع أخي النازي!!تأثرت بالفيلم كثيرًا لدرجة أني نصحت عدد كبير من زملائي بمشاهدته، ولو علم Roman Polanski - منتج الفيلم - بالحملة التسويقية الكبيرة التي قمت بها بين زملائي للفيلم.... لخصص لي وحدي جزءً كبيرًا من إيراداته.!! كنت كلما قصصت عليهم حكاية الفيلم وكم هو إنساني ومؤثر، قوبلت بهجوم شديد وكأني عميلة للموساد!! قال لي أحد أقربائي أنه سيشاهد الفيلم فقط ....ليرى اليهود وهم يُقتلون!! كانت ردود أفعالهم صادمة، فلم يخطر ببالي أن إنسانيتنا أصبحت مرهونة بدين الآخر!! قالت لي إحدى صديقاتي وهي تنظر إلي بلوم: "لما يصعبوا عليكي ....ابقى افتكري فلسطين"!! واعترف بأني استمعت إلى تلك النصيحة السخيفة، وبدأت في التنفيذ ...فاستبعدت إنسانيتي.... وقمت بوضع أي عاطفة لي تجاه ما حدث لليهود في تلك المذبحة... داخل خزانة المحرمات التي فرضتها علينا قوميتنا العربية.
فكلما شاهدت فيلمًا أو قرأت مقالا موضوعه الهولوكوست، أجبرت نفسي على تذكر ما يحدث في فلسطين من مجازر مشابهة لكي أتفادى أي عاطفة أو تأثر. ولكن لم يستمر مفعول تلك النصيحة السحرية طويلاً ....فرأيت أن تلك الفتاة اليهودية التي شاهدتها تُقتل على يد جندي ألماني في بولندا بملابسها البسيطة، لا تشبه على الإطلاق تلك الفتاة اليهودية التي تحمل السلاح في زي عسكري مقيت ويُطلق عليها اسم "مجندة إسرائيلية"!!. فكلتا الفتاتين مختلفتين حتى في نظرة العين!!...الأولى كان الخوف والفزع يملئان عينيها....بينما الثانية كانت نظرة الحقد والتعالي هي المسيطرة على قسمات وجهها.!! هؤلاء كانوا يركبون قطارات الموت لتصل بهم إلى معسكرات التعذيب على يد الألمان. بينما الآخرون يركبون المدرعات لاعتقال وتعذيب الآخرين بأيديهم هم. !! هؤلاء قُتلوا ودُفنوا في أرضهم، بينما الآخرون أتوا إلى أرضنا غاصبين.!! إذن،... فالزمان غير الزمان.... والمكان غير المكان.... والأشخاص غير الأشخاص ....فلما المقارنة الآن؟!!
قررت أن أعود إلى إنسانيتي من جديد ..وأن أنظر للقضية نظرة إنسان ...إنسان يشعر ...ويتألم ..ويحترم آدمية الآخر...وحقه في الحياة. ما حدث في غزة جريمة.....جريمة تضاف إلى سلسلة جرائم إسرائيل. وما حدث في أوروبا النازية أيضًا جريمة... وهذه حقيقة إنكارها ليس نصر لنا. إن مشكلتنا تكمن في أننا ننظر لمثل هذه القضايا من جانب واحد. فقد وقعنا _وبجدارة_ في نفس الفخ الذي وقع فيه الغرب عند حكمهم علينا نحن العرب والمسلمين...هذا الفخ الذي يُنصب دائمًا لنا ولهم بعد كل جريمة.... ويسمى "التعميم"!!...مشكلتنا أننا لا نعرف بالتحديد من هو عدونا!!....نفتخر دائمًا... بل ونتلذذ ...بمشاهد لقتل أناس لا نعرفهم ...ولم يكن لدينا أي مشكلة معهم...سوى أنهم من نفس دين أعدائنا الحقيقيين!!........أي وحشية هذه؟!!...بل أي ضعف الذي يجعلنا نهزم... ونهزم.. على أرض الواقع ولا نشعر بنشوة الانتصار إلا عند مشاهدة أفلام سينمائية لجريمة الماضي ضد أناس آخرون... فقط ...لأنهم يحملون نفس الدين؟!! الجريمة ليس لها دين ولا تعرف عقيدة ولا تنتمي لبلد. وستبقى الجريمة جريمة أيًا كان الفاعل وأيًا كان المفعول به. أعرف أنهم يتاجرون بها..أعرف أنهم يبالغون في عدد قتلاهم...أعرف أنهم ليسوا ملائكة تمشي على الأرض...وأعرف أيضًا أنهم يبتزون ضمير العالم بتلك المذبحة... ولو استطاعوا تذكير العالم بها كل يوم ...لفعلوا!! ولكن هذا لا يمنع أن نبقى بشر...وأن نطلق سراح إنسانيتنا دون قيد أو شرط.
وقبل اتهامي بالخيانة وضعف الإيمان وبأني نسيت أنهم "قتلة الأنبياء"..وأنهم "لُعنوا" في القرآن والسنة، أريد أن أذكركم بما فعله معهم رسولنا الكريم (صلوات ربي وسلامه عليه) في مواقف كثيرة وهو اشرف الخلق _ وأنا اعتبرها مواقف مشرفة وأفتخر بها كمسلمة_ بدءً من وقوفه صلى الله عليه وسلم احترامًا لجنازة رجل يهودي وعندما سُئل عن موقفه هذا قال: "أوليست نفسًا؟!!"، مرورًا بموقفه السمح تجاه جاره اليهودي وزيارته له صلى الله عليه وسلم وهو مريض بعد سلسلة من الإساءات التي تعرفونها ...وكل هذه المواقف النبيلة قام بها رسولنا الكريم (صلى الله عليه وسلم) في أشد العصور الإسلامية عداوة مع اليهود!! ...أي سمو هذا؟!! ...إنه إقرار بأن من حق الآخر أن يحيا...لأنه إنسان...إنسان فقط!!حتى في الحرب ضدهم قام الرسول صلى الله عليه وسلم بسن قوانين تفوق قوانين الأمم المتحدة والقانون الدولي للحروب في سموها ونبلها....على الأقل لأنها كانت تطبق فعليًا...على عكس ما يحدث الآن، فقد قال صلى الله عليه وسلم: (لا تغلوا ولا تغدروا ولا تمثلوا ولا تقتلوا وليدًا).... إنه سيد الأخلاق بحق!! إن "الإنسانية" و"احترام الآخر أيًا كان دينه" لا تعتبر جهات معادية للعقيدة...ولا تُضعف من إيمان أحد... لقد خلقنا الله لنا الحق في الحياة ...وليس من حق أي أحد أن يعتدي على هذا الحق. فكلنا بشر ويجب أن نعترف بإنسانيتنا جميعًا...فشرف الإنسان.. في آدميته.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق