الأحد، 20 ديسمبر 2009

"نفسك تطلعي إيه؟!" (الجزء الأول)


كنت في السابعة من عمري حين سألني أحد أصدقاء والدي ذلك السؤال الأزلي المعتاد: "نفسك تطلعي ايه يا حبيتي؟؟" ...ولأن السؤال كان أزليًا وتتوارثه الأجيال ...فلابد أيضًا أن تكون الإجابة أزلية: "نفسي اطلع دكتورة"!! ......أتذكر نظرة الفخر تلك التي كانت في عيون والدي وهو يبتسم لصديقه بعد إصداري لهذا لتصريح الخطير..."دكتورة"!!

عرفت بعد ذلك أن مهنة الطب كانت حكرًا على أحلام أطفال جيلي...وربما الأجيال التي أتت بعد ذلك ..فالسؤال يتكرر ...والإجابة أيضًا!!

كانت أقصى حدود علمي عن تلك المهنة وقتها ...هو ذلك البالطو الأبيض الذي كانت ترديه تلك السيدة ذات الوجه العابس التي أتت إلى قريتنا وجلست أمام باب الوحدة الصحية هناك وأمامها طوابير من الأطفال مع أمهاتهم ...حيث تضع في أفواه عنوة تلك القطرات المرة....فقد كان بجانبها لافتة كبيرة مكتوب عليها "الحملة القومية للتطعيم ضد مرض شلل الأطفال"!!

هذا كل شيء ...بالطو أبيض ...ووجه عابس ...وقطرات مرة!!
ثالوث مقدس اختزن في ذاكرتي عن الطبيب ...والحق أنه كان من الصعب كسر قدسيته ...فالعبوس والمرارة والبالطو الأبيض ...كانت أول الأشياء التي تخطر ببالي عند زيارة عيادة أحدهم!!

بدأ الحلم يتلاشى شيئًا فشيئًا ...

خصوصًا أن ميولي العلمية كانت تساوي دائمًا 5/10 في الامتحانات...وفي الكثير من الأحيان أقل من تلك الدرجات الخمس!!

كنت أحب مادة التاريخ......كنت أعشقها ...كنت أراها أفلامًا سينمائية أبطالها...



صلاح الدين الأيوبي...وأحمد عرابي ...والظاهر بيبرس!!
كنت أراهم بين السطور ...أتخيل المشهد كاملا!!

تحرير القدس...فتح مصر...ثورة عرابي ...كلها كانت مشاهد عالية الجودة!!
فقد كنت أتخيل ...ولا أقرأ!!
اذكر أن مدرسي العزيز قام بالشكوى ضدي لدى أبي ...لأني كنت دائمًا ما "اسرح" أثناء الدرس!!

وقتها لم يكن لي حلم محدد أسعى لتحقيقه...فقط أذاكر لأنجح!!...فأصبح ذلك السؤال الأزلي المعتاد ...سؤال محرج جدًا ...لا أستطيع الإجابة عليه!!...وأخجل من أن أقول "لا أعرف" ..
هذا على اعتبار أنه سؤال بديهي!

كانت هوايتي الوحيدة آنذاك هي الرسم ...فقد كنت مولعة بحصص الرسم في المدرسة!
كانت مليئة بالألوان...والأفكار ...والمرح!!
كانت مدرسة الرسم تعطينا الحرية الكاملة للابتكار...كنا نرسم..أي شيء ..وكل شيء..كنا نسخر من رسومات بعضنا البعض ونضحك!

نضحك ونرسم ونبتكر ...
ثالوث آخر، ....ولكنه مختلف هذه المرة!!

في امتحان مادة الرسم أثناء مرحلتي الإعدادية ...أذكر أن السؤال الإجباري كان مضمونه هو أن أقوم برسم شيء ما يُعبر عن "مصر" ...أمسكت بألواني ...وبدأت في الرسم ....
كنت طفلة ...وأرسم بلادي بعيون طفلة ...فرسمت صورة فكرتها ساذجة...وهي أن أجمع كل ما يميز مصر جنبًا إلى جنب وقرص الشمس الكبير ..يحيطهم جميعًا من الخلف!!

فرسمت الأهرامات بجانبه برج القاهرة ونخلتين ونهر النيل يجري من تحتهم جميعًا وقرص الشمس يشع ضوئه من خلفهم ....كنت منهمكة في تلوين قرص الشمس ...فقد كان كبيرًا ....ولما لا؟؟ وهو يحتضن الأهرام بأكملها وبرج القاهرة والنخلتين ...والحق أني كنت حريصة على تواجد النخلتين بلوحتي الفذة ....على اعتبار أن مصر دولة زراعية!!

وسط انهماكي الشديد ...حدث وأن قام مراقب اللجنة بسحب لوحتي الفنية التي أخذ ينظر إليها بإعجاب شديد، ويعرضها على زميله في اللجنة ثم مراقب الدور ..كانوا يتبادلون كلمات المدح في اللوحة التي لم أكملها ...المدهش أني كنت سخيفة بعض الشيء وطلبت منهم - بعد أن شكرتهم – إحضار ورقة الإجابة سريعًا لأكمل لوحة الموناليزا الخاصة بي ...فقد كان وقت الامتحان يداهمني ...وهناك أسئلة أخرى غير هذا السؤال الإجباري!!

كان الخوف والقلق توأمي الملتصق ...الذي يفسد علي لحظات نادرًا ما تتكرر في حياتي..
لحظات أسميها ..." نجاحًا"!!

عندها،.. أمسكت بأول طرف خيط يصل بي إلى الإجابة على السؤال الأزلي...فلماذا لا يكون حلمي هو الالتحاق بكلية الفنون الجميلة ...طالما أني أحب الرسم ..وأجيده مثلما يقول البعض؟

"آخرك هتبقي مدرسة رسم"!!...
كلمات صادمة تلقيتها من صديقتي عندما عرضت عليها الموضوع ...قالت لي في بلادنا هذه لا مكان للمبتكرين غير حصص الرسم والتي غالبًا ما يتم استبدالها بحصص الرياضة والكيمياء عند اقتراب موعد الامتحانات
فلا وقت للهو!!

اللهو .....ما إن سمعت هذه الكلمة إلا وانكسر الحلم بداخلي قبل أن يُولد ...فأنا عندما أرسم لا ألهو ..بل أترجم مشاعري إلى صور ورسومات ...وأنا لا أحتمل أن يُقال أن مشاعري لهوًا!!
ونسيت .....نسيت حتى كيف ارسم!!

وبدأت ابحث عن طرف خيط آخر ...لأصل به إلى إجابة أخرى لذالك السؤال الذي يطاردني ...طوال سنوات عمري ..."نفسك تطلعي إيه؟!!"

الأربعاء، 9 ديسمبر 2009

اسم مستعار ..وكلمة سر!! (الحلقة الأخيرة)



طالما أزعجتني فكرة الاغتراب لبلاد أخرى والهروب إلى حضارات أخرى لمجرد أن أحوال بلادنا لا تروق لنا.. كنت أنتقد بشدة كل من يرتدي تلك القبعة الغربية متحججًا بأن بلادنا العربية لا تعرف الفرق بين الحضارة والتحضر. فهي بلاد ليس بها خير لنا ..أو بالأحرى ..لا تستحق الخير منا!
أما هناك ..في بلاد الغيوم....تلك البلاد الباردة في كل شيء ..سنجد احترام الآخرين والحرية والتحضر...ربما تحضر بلا حضارة ..ولكن لا يهم ..فالماضي ..قد مضى ..ومن حكمناه بالأمس ...هو من يحكم اليوم....فلما نمارس غرور الماضي الآن؟!!..لماذا نفتخر دائمًا بحضارة لم نصنعها بأيدينا؟...صنعها أناس آخرون في زمن آخر كان لهم وحدهم..ونحن جئنا إلى الدنيا فقتلنا تلك الحضارة بداخلنا قبل أن تموت بفعل عوامل التعرية!!..
فلنبقى بجانبهم إذن ..أو حتى أسفلهم .لا يهم....فهم الأقوى ..والبقاء دائمًا للأقوى!!..هذه قواعد اللعبة!!

تفكير منطقي .. ولكني لا أحترمه ...فكنت أرى في هؤلاء.. النموذج السخيف للإنسان العربي "غير المنتمي"..حيث كانت التذمر هي لغته الأم ..وليست العربية!!

ورغم سخافة هذا النموذج ..إلا إني بعد تجربتي التي خضتها بالمنتديات العربية ..والتي هي بالتأكيد نموذج مصغر لبلادنا العربية، قد التمست لهم القليل من العذر..القليل فقط ..وليس التبرئة ...فهم لا يزالوا في نظري "غير منتمين" ..

الحق أن التجربة كانت قاسية في منتدياتنا ..كانت محبطة إلى حد كبير ..ولأن المنتديات ما هي إلا بلاد ...فقد قررت أن أخوض تجربة أخرى ..من نوع آخر وأسافر بعيدًا باسمي المستعار ..وكلمة السر الخاصة بي والتي عادةً ..لا تتغير!!
سأحقق التوازن ..ولكن لن أكون ذلك النموذج السخيف المتعجرف ذو القبعة..فبطبيعة الحال لأحب ارتداء القبعات...سأكون أنا ..أنا كما أنا بلا قبعات .فأنا لا أحب القبعات!!....ربما ستتغير لغتي ...ولكن ..
لن تتغير لهجتي !!

حدث في أحد المنتديات الأمريكية

كان هذا عنوان مقالي الذي وضعته من قبل في أحد المنتديات العربية.. أشكو فيه ما حدث لي في أمريكا ..أقصد أحد المنتديات الأمريكية!!... والذي بالمناسبة ..تم نقله إلى العديد من المنتديات العربية من باب "السرقة" بنفس العنوان وبنفس المحتوى دون تغير حرف واحد فيه!!
فشخصية "السارق" هي البطلة الرئيسة في مسلسل "شخصيات منتدياتنا العربية" ..التي قمت بسرد حلقاته من قبل...وتأتي هذه الحلقة الأخيرة ..لتوضح ما حدث ...

اسم مستعار ..وكلمة سر ..كانت هذه أولى طلبات التسجيل في أحد المنتديات الأمريكية..
Hi All
I'm Lobna from Egypt..

.كانت هذه أولى كلماتي إليهم ...وعلى غير المتوقع ..كان ترحيبهم بي كبيرًا ...خصوصًا عندما علموا إني من مصر ...اكتشفت أن مصر لها مكانة كبيرة في قلوب الكثير من الأمريكيين ...على عكس المصريين أنفسهم!!
فقد أخذوا يسألوني عن الأهرامات وأبو الهول وشرم الشيخ...وطلبوا مني إدراج صور للنيل والأهرامات والمعابد...

كانوا بسطاء في معاملتهم ...جادين جدًا في شروط التسجيل بمنتداهم....
أذكر أنه كان ضمن شروط التسجيل عدم الإساءة لأي عضو من أعضاء المنتدى ..وخصوصًا المثليين منهم!!

تعجبت من التأكيد المبالغ فيه على احترام الآخرين حتى ولو كانوا شواذ جنسيًا ..في الوقت الذي قامت فيه القوات الأمريكية في العراق بتصوير معتقلي "أبو غريب" ..وهم عراة!!

كانت فرصتي كبيرة لأعرض أهم قضايا أمتي العربية ..في منتدى عرفت بعد ذلك أنه من أكثر المنتديات الأمريكية شهرة وشعبية ..ولا يعرف أعضاءه عن مصر سوى أن عاصمتها Cairo وتقع بها الأهرامات والنيل!!

"لماذا نسمع (نحن الأمريكيون) أخبار مقتل 7 إسرائيليين ولا نسمع عن الإبادة الجماعية في غزة؟؟!!"

كان هذا ترجمة لعنوان مقال باللغة الإنجليزية كتبه صحفي أمريكي ..في إحدى الجرائد الإلكترونية الأمريكية ...وقد قمت بنسخ المقال كما هو على صفحة المنتدى في القسم السياسي ..كأول موضوع لي أقوم بمناقشته في منتداهم الكريم..
كان المقال ينطق بالحق رغم قصره ..كان شديد الأهمية …وتنبع أهميته في أن كاتبه أمريكي مثلهم …فلم يكن عربيًا …ولم يكن مسلمًا…فقط ..قمت بنسخ المقال كما هو مع إدراج رابط المصدر المأخوذ عنه المقال ..وذلك لكي أبعد عني أي شبهة أمامهم في فبركته!!

كان المقال يقول في مجمله أن السبب الرئيسي في أننا كأمريكيين لا نعرف شيء عن الإبادة الجماعية التي تحدث ضد الأطفال والنساء والشيوخ في فلسطين ..في الوقت الذي نسمع فيه دائمًا عن مقتل 7 إسرائيليين ..هو أن اللوبي اليهودي هو المتحكم الأول في الإعلام والاقتصاد الأمريكي…

وفي نهاية المقال عرضت عليهم الموضوع لمناقشته فكتبت أسفل المقال هذا السؤال: "?What do you think"
تاركة لهم حرية التفكير في الأمر ..وحرية الرد أيضًا..

وكان ردهم سريعًا ...سريعًا جدًا ...ففي اليوم التالي فقط ...وصلتني رسالة من المنتدى تفيد بحذف عضويتي!!

كانت المفاجئة كبيرة ...كبيرة لدرجة أني كنت أقرأ سطور الرسالة بشكل سريع جدًا لأعرف سبب حذف
عضويتي !!...وتوقفت عيناي عند كلمة " Trolling" وتعني "التصيد".....لم افهم ما معنى "التصيد" هنا؟!!

فأنا لم أسب أحدًا ..لم أهاجم فئة معينة، ...قمت بعرض الموضوع في مكانه المناسب بالمنتدى، ...لم أرتجل كلمات حماسية قبل أو بعد المقال،...لم أشعرهم حتى أني مسلمة ...فلم يكن هناك مكان مخصص لكتابة الديانة في التسجيل... وهذا على اعتبار أنهم ....أو كما يظنون أنفسهم ...متحضرون!!

شعرت بالاهانة .. وكأنما يقول لي أحدهم: "أخرسي"!!...."لا نريدك بيننا"....عرفت يومها ما معنى أن تعيش غريبًا في بلد غريبة ..رغم أني لازلت في مكاني!!

كان من الممكن أن أتحايل ...كان من الممكن أنضم إليهم من جديد ...باسم مستعار جديد ..وبعضوية جديدة ..ولن يعرف أحد بذلك ..ولكن كنت سأضطر إلى أن أرتدي تلك القبعة اللعينة التي لا تناسبني ..فأنا لا أحب القبعات!!

قال لي أحد الأصدقاء: "هوني على نفسك، فربما كان مدير المنتدى يهوديًا متعصبًا وستكون هذه الحالة حالة فردية ولا تمثل الشعب الأمريكي ككل أو ربما كان المنتدى حكوميًا وتابع لرقابة الدولة"

ربما كان كلامه صحيح .. ولكن صحة كلامه ...قد زادت جرحي عمقًا!!...فقد أصبحنا بالنسبة إليهم أقل أهمية من شواذهم!!

كانت تجربتي مع المنتديات صادمة وقاسية نوعًا ما.. فقررت أن أترك كل ما هو "منتدى"..
ولكن لن أترك رحلة بحثي ...
واكتشفت الكثير،..فكنت أرى أن الدنيا كلها كالكتاب الصغير ..الذي يمكن تصفحه سريعًا
ولكن عبث!!..فالدنيا هي الدنيا ..عالم شاسع ..لا نستطيع معرفة كل ما في طياته...
حتى لو وصلنا لما نريد ..فهناك أشياء أخرى لم نصل إليها بعد ..ربما لأننا لم نسمع بها من الأصل!!
اكتشفت أن تلك النافذة السحرية ما هي إلا ثقب صغير أتلصص منه !!... أتلصص فقط!!

ولكن ستتعجبون إن قلت أني مكتفية بالتلصص ...سعيدة بهذا الغموض الذي يحوم حول الأشياء التي لا أعرفها..فهذا الغموض هو ما يحفزني للبحث ...ومن ثم متعة البحث!!

تعلمت أن صوتي هو ملكي أنا وحدي..فكانت مدونتي هذه ..فأصبح لي مكان في هذا العالم ..عالم لا استخدم فيه..
اسم مستعار...وكلمة سر!!
بل...
اسمي الحقيقي ...وكلمة سر!!

الاثنين، 7 ديسمبر 2009

اسم مستعار ..وكلمة سر!! (الحلقة الرابعة)


الإزدواجي

كلنا نحمل شخصيتين بداخلنا ..شخصيتنا ..والشخصية التي يجب أن نكون عليها...ولكننا نحاول دائمًا أن نقارب بين تلك الشخصيتين ..لنصل إلى الشخصية السوية التي نرغيها....نخطأ أحيانًا...نضعف أحيانًا ...نتناقض أحيانًا ..ولكننا نظل دائمًا داخل دائرة الشخصية السوية ..بمعنى إننا لا نبالغ في ضعفنا أو في ازدواجيتنا..

ولكن ازدواجية بعض الشخصيات الموجودة بالمنتديات قد تصل إلى الحد الأقصى من المبالغة ..فقد حدث ذات مرة أن عضوًا شيعيًا قام بسب أحد الصحابة في تعليق له على موضوع ديني ..فحذف مدير المنتدى تعليقه فورًا ورد عليه ردًا منطقيًا ومنظمًا مضيفًا إلى الرد الحُجج والبراهين على تحريم سب الصحابة من السنة النبوية الشريفة...كان رده حماسيًا جدًا..ومفعم بالإيمان بتلك القضية ...الحق أني أعجبت كثيرًا بطريقة عرضه وتحليله للموضوع ...وكأنه عالم جليل...أتى من زمن الأئمة!!

..في اليوم التالي ...في اليوم التالي فقط ..فلم تمر سنين...نفس المدير في نفس المنتدى ..يضع روابط لتحميل حلقات برنامج "هزي يا نواعم" – عفوًا للاسم - ...وهذا البرنامج للذي لا يعرفه ..هو برنامج مسابقات للرقص الشرقي ...وكانت الفضائية اللبنانية LBC تعرضه منذ عامين تقريبًا على شاشتها ..وكانت الراقصة نجوى فؤاد هي من ترئس لجنة التحكيم الموقرة!!.. والتي بالمناسبة كانت تضم رجال لهم شوارب تُلفت الأنظار إليها أكثر من الراقصة شبه العارية التي كانت تُلقب في البرنامج بـ "المتسابقة"!!
مهزلة ... مهزلة بكل المقاييس ..ولأن البرنامج الموقر ليس موضوعنا الآن ...فسأكتفي بالمهزلة الثانية الخاصة بمدير المنتدى ..فكما كان منظمًا وحماسيًا في طريقة رده على موضوع سب الصحابة...مضيفًا الأدلة والبراهين من السنة النبوية الشريفة ..كان أيضًا منظمًا وحماسيًا في طريقة عرضه لروابط تحميل البرنامج ... مضيفًا صور من البرنامج للراقصات وهن يؤدين رقصاتهن!!
كانت صدمتي أشبه بصدمة شخص وقع صيدًا لإحدى برامج الكاميرا الخفية..ولكن هذه المرة ...لم يكن الموقف مضحكًا.

المتحرش

شخصية تجدها في كل مكان ..فالمتحرش يمتلك من السماجة والوقاحة ما يجعله لا يتورع عن التواجد حتى أمام المساجد ليمارس هوايته السخيفة .....فبمجرد أن يرى فتاة ...مجرد فتاة .. ...يبدأ بإلقاء بعض كلمات الغزل بنوعيه العفيف والصريح على مسامعها دون سابق إنذار ...حتى ولو كانت لا تملك من الجمال والرشاقة ما يؤهلها لتكون هدفًا للمتحرشين .....وربما يتطور الوضع ويصبح التحرش بطرق أخرى غير الكلام!!

أما المتحرش في المنتديات له وضع مختلف ...فهو لا يرى شيئًا أصلا ...وهذا بالفعل ما يدعو للضحك!! .فالمتحرش على صفحات الإنترنيت أشبه بالشخصية الكوميدية التي تدعو للسخرية منه ...فهو يغازل الفراغ ...يغازل اللاشيء ... يغازل أي ملف شخصي (بروفايل) مكتوب فيه Female ...فهذه الكلمة لها واقع السحر على متحرشي المنتديات ..حتى ولو كانت تلك الفتاة مجرد صورة رمزية تظهر بجانب صفحة المنتدى!!

فكان السؤال الشهير"ممكن نتعرف؟" هو الشعار الرسمي لكثير من الأعضاء المراهقين وغير المراهقين أيضًا!!

حدث أن قام أحد الأعضاء في ثقة لا أعرف على أي أساس بناها لنفسه ..ودون أي مقدمات... قام بإرسال رقم هاتفه لي!!
يومها..وصلتني رسالة على صندوق الوارد الخاص بي بالمنتدى ووجدت فيه ..رقم هاتف!!...رقم هاتف فقط....بدون اسم.. بدون كلمات حتى!!..وكأن علي فقط أن افتح الباب دون أسأل من الطارق؟..أو ماذا تريد؟..فيكفيني شرفًا وفخرًا أن هذا العضو أرسل إليَّ رقم هاتفه!! ...وموافقتي لحفظ الرقم وقتها بالتأكيد أمر مفروغ منه!! ..و ما هو إلا تحصيل حاصل ..فهو متأكد من الرد!!

الحق أني ضحكت كثيرًا ..وكان هذا الموقف أكثر المواقف التي قابلتها على المنتديات ..تدعو للضحك!!...حتى أن صديقتي قالت لي بالحرف الواحد: "ده حافظ مش فاهم"!!

ولكن هناك بعض التحرشات غير المضحكة على الإطلاق ..بل وتُعد جارحة ..كمن يتصيد مجموعة من العضوات يحملن جنسيات معينة ...ويبدأ في التحرش بهن بعنجهية غريبة ودون أدنى حياء..كالخليجي الذي يتحرش بالمصرية لأنه يرها "فيفي عبده"..والمصري الذي يتحرش باللبنانية لأنه يراها "هيفاء وهبي"!!

أذكر أن قامت إحدى العضوات المصريات بكتابة موضوع رائع عن حرب السادس من أكتوبر ..وبرغم جدية الموضوع وأهميته، .إلا أني وجدت بعض الأعضاء العرب يشكرونها بشكل يميل إلى "البصبصة"..أكثر من المدح ...كالذي أراد أن يثني عليها بكلمات شكر على موضوعها الجدي جدًا بأن قال لها في تعليقه "مصرية وطرية"!!..وبرغم قذارة التعبير..والنظرة الجسدية التي اتخذها ذلك العضو لها ..أو بمعنى أصح للمصريات.. ..إلا أن العضوه لم ترد!!..فكما استفزني رده ...استفزني أيضًا سكوتها....ولا أعلم.. فربما كان هذا من الحكمة.

كذلك نظرتنا نحن المصريين للبنانيات ..في المنتديات وغيرها ..فهي نظرة سطحية جدًا وتافهة!!
فاللبنانية تعني للمصري.. فتاة مثيرة.. فائقة الجمال ...تتراقص في الكليبات ....ولا تعرف سوى عمليات التجميل..وبضع كلمات بالفرنسية!!

أذكر أن أول فتاة لبنانية تعرفت عليها في حياتي ....قابلتها في مسجد الجامعة ...وصلينا سويًا!!
وفيروز ...تلك الأسطورة ...والتي غنت لمكة وللمسيح ...واشتُهرت بوقفتها "المتخشبة"..- إن جازالتعبير-..على المسرح في حفلاتها، ..لبنانية!!

أكره تلك النظرة السطحية..أكره التعميم في أي شيء!!
بل أرفض تلك النظرة التي ينظرها إلينا بعض العرب على الإنترنيت ..فأرسلت رسالة إلى ذلك العضو بصفتي مصرية متضررة ..وطلبت منه حذف التعليق "الطري"!!
فأنا في المنتديات لست فيفي عبده....والفتاة التي قابلتها في المسجد لم تكن هيفاء وهبي!!



يُتبع..

الأربعاء، 2 ديسمبر 2009

اسم مستعار ..وكلمة سر!! (الحلقة الثالثة)


والمنتدى ليس تعليقات أو نقاشات فقط ...بل شخصيات أيضًا ...وشخصيات المنتديات ..بالفعل تستحق الدراسة ... فبعض الشخصيات تمتلك من الغرابة والتناقض ...ما يكفي لكتابة ضعف الدراسات النفسية التي كتبها فرويد في زمانه!!...

الواعظ
شخصية طالما أتحفتنا بها الدراما ...فهو رمز الخير الذي دائمًا ما ينتصر في النهاية ..ودائمًا ما تجده بشوشًا ..هادئًا ...كلماته رقيقة تلين القلوب عند سماعها... فهو أقرب إلى الشخصية التي لعب دورها "فاخر فاخر" فيلم "اللص والكلاب"...بعبارته الشهيرة "توضأ ..واقرأ"!!

ولكن في إحدى المنتديات حدث أن قابلت شخصية الواعظ تلك ...ويكفي أن اصف لكم الملف الشخصي (البروفايل) الخاص به على المنتدى لتعرفوا مدى اختلافه عن غيره من واعظي الزمن الجميل.

أولا الصورة الرمزية له صورة "أسامة بن لادن"... موطنه باكستان... يستخدم خاصية معينه بالمنتدى تجعل مراسلته غير ممكنه... يتحدث اللغة العربية الفصحى دائمًا ولا عيب في ذلك بالطبع ..ولكنه يستخدم بعض المصطلحات المعقدة بعض الشيء والتي لا يتم تداولها في لغة المنتديات.. مثل "الزندقة" و"السفسطة" وغيرها من المصطلحات التي بالطبع من الصعب تذكرها.
تجده في كل مكان .. تجده في كل الأقسام بالمنتدى ..منتدى الصور ..تجده يعظ بعدم عرض صور "السافرات العاهرات" ..وفي قسم الأفلام تجده يعظ بعدم مشاهدة الأفلام ...يعظ ويعظ ..ولا يكف ..وكأنه أصبح عضوًا في المنتدى ..فقط ليعظ ...ولكن ليست هذه المشكلة ...فالوعظ والإرشاد للطريق القويم شيء مُحبب..ولكن المشكلة في الأسلوب ..هذا الشخص.. أو هذا الواعظ كان يتبع أسلوبًا غريبًا جدًا وهو أن "كلكم مخطئون ...كلكم مذنبون ...كلكم في النار لا محالة" ...وإن ناقشته.. أو حتى حاولت مناقشته ..ينقلب عليك أنت بشكل مفاجئ وسريع ..وبأسلوب هجومي يميل إلى التكفير ...أذكر أني عندما حاولت ..حاولت فقط...الاعتراض على كلمة "السافرات العاهرات" والتي وصف بها بعض المطربات اللبنانيات وبالطبع غير المحجبات التي تم عرض صور لهن على المنتدى ..فلا يجوز إلصاق تلك الصفة (العاهرات) بالباطل مهما اختلفنا مع أسلوب حياتهن، انقلب علي أنا ...وبشكل حاد جدًا قال لي بالحرف الواحد: "لماذا تدافعين عنهم؟ ..لابد أنكي سافرة مثلهم"..وحمدًا لله انه لم يصفني انا أيضًا بالعاهرة ..أقسمت له أني محجبة ..ولكني أكره هذا الأسلوب في الحوار ...وذكرته بقول الله تعالى "ولو كنت فظًا غليظ القلب لانفضوا من حولك" ...وظننت أن بردي هذا أني أفحمته ..وأنه سيروض لسانه السليط ..خصوصًا أن ردي هذا ليس من كلماتي الآن بل من كلمات الله عز وجل ..والذي يدعي هو تطبيق شريعته على الأرض ..ولكن لا حياة لمن تنادي ...أخذ يهاجم ويهاجم.. وكأنه يحمل سيفًا وراء شاشة الكومبيوتر...وحين اعترضه أحد الأعضاء بسؤاله: "لماذا أتيت إلى هذا القسم إذن؟"..سكت ولم يرد!!...تعجبت كثيرًا من إنساحبه المفاجيء من المناقشة بهذه الطريقة ..أسمع صوت العضو وهو يفحمه بهذا السؤال ...ولم يسمع صوت الله؟!!...أم كان جبانًا...يخاف العالمين..ولا يخاف رب العالمين؟!!
يُتبع..

الثلاثاء، 1 ديسمبر 2009

اسم مستعار ..وكلمة سر!! (الحلقة الثانية)



بدأت سلسلة الصدمات عند استلامي رسالة على بريدي الإلكتروني من إحدى المنتديات التي كنت قد اشتركت بها من قبل.. تخطرني بإضافة فيلم جديد للتحميل ...ولأني من المهتمين جدًا ...سارعت بالدخول على صفحة الفيلم بالمنتدى..ففوجئت بأفيش الفيلم الأمريكي "Basic Instinct 2".. للممثلة الأمريكية شارون ستون بساقيها العاريتان تتصدر صفحة المنتدى ...وأسفل الأفيش... روابط لتحميل الفيلم...


روابط لتحميل فيلم صنفته قاعدة البيانات imdb السينمائية بأنه فيلم إباحي ...أذكر أني عندما قمت بالتسجيل في هذا المنتدى كان بند الالتزام بالأخلاقيات شرطًا لإتمام التسجيل!!

ومع هذا كله ..لم تكن هذه هي المفاجأة ...المفاجأة الحقيقية كانت في تعليقات بعض أعضاء المنتدى على موضوع الفيلم.. وفقد اشتملت التعليقات على بعض العبارات مثل "جزاك الله خيرًا" ...و"بارك الله فيك"....كانت صدمتي أكبر بكثير من صدمتي حين رأيت أفيش الفيلم ذو السيقان العارية ...ما هذا بالله عليكم؟..أيجزي الله خيرًا عند نشر فيلم إباحي؟..أيبارك الله في عمل مثل هذا؟؟!!...أنا لست ضد الفيلم ...ولم أشاهده ...ومن الواضح أني لن أشاهده رغم إعجابي الشديد بشارون ستون فهي ممثلة محترفة وقامت بالعديد من الأدوار الجيدة بعيدًا عن الإباحية ..وأيضًا لن ألعب دور الواعظ ..وأقول حرام أو حلال ..فمجتمعنا الآن ..مليء بمن يجيد لعب هذا الدور..وبمن لا يجيدوه أيضًا ..لكن لكل مقام مقال ...فمن العيب استخدام مثل هذه التعبيرات الدينية والتي تتضمن الدعاء بالخير والبركة للتعبير عن الشكر لنشر فيلم إباحي!!

ولمن لا يعرف أنه فيلم إباحي... تكفي السيقان العارية لشارون ستون التي على أفيش الفيلم..أن تخبره أن الفيلم ليس عن الهجرة النبوية مثلا!!

كانت صدمتي التالية أكثر قسوة ...عندما كنت أقوم بملء خانات التسجيل بمنتدى اشترط أن أكون عضوة به لأقوم بتحميل فيلم طالما كنت ابحث عن روابط لتحميله، بالمناسبة كان فيلم "Merchant of Venice" للنجم آل باتشينو ...كنت أقوم بملء خانات التسجيل بسرعة ..فقد كنت متشوقة لأشاهد فيلم جمع بين عبقريين ..شكسبير في الكتابة ...وآل باتشينو في التمثيل.. ولكني فوجئت بعبارة "أكتب هنا كلمة (الله) لإتمام التسجيل" ....امتلكني الغيظ الشديد فلماذا دائمًا ما نقحم الدين في غير موضوعه؟..فمنتدى لتحميل الأفلام لا أعتقد أنه يجب أن يكون إسلاميًا ...فالأفلام أفلام..فيها وفيها .. فلماذا نُعَرض الدين إذن لما يخالفه ..أو ربما يخالفه؟... وربما هنا تعني.. "لا ضمان".. وعنصر المفاجأة وارد عند مشاهدة لقطات أي فيلم حتى ولو كان فيلمًا كـ " Merchant of Venice" ...ترددت كثيرًا لألبي هذا الشرط الغريب ...ولكني شعرت بالخجل ..ولم أتمم التسجيل ...فلفظ الجلالة أكبر وأعظم من أن تكون كتابته شرطًا لتحميل فيلم.!!

يُتبع..



الأربعاء، 25 نوفمبر 2009

اسم مستعار ..وكلمة سر!! (الحلقة الأولى)



ساحرة تلك النافذة الإلكترونية التي ترى من خلالها العالم بلا قيود...بلا حواجز ..فلا يستلزم الأمر جواز سفر أو تذكرة طيران!! ..فقط ..اسم مستعار وكلمة سر!!
اسم مستعار وكلمة سر تكفي لتسافر بعيدًا من خلال تلك النافذة الصغيرة التي تُفتح ..فتُفتح معها آفاق أخرى...عالم آخر .... هو عالم آخر غير محدود حتى ولو كانت بوابته مجرد أربعة أضلاع ومحرك بحث!!

فالعالم كله بين تلك الأضلاع والأربعة ...وبين يديك!! ....تكتب ما تشاء وتقرأ ما تشاء ..تشاهد وتسمع تهاجم وتُعلق تصرخ وتثور ..تنافق وتكذب ...أو ترسم لنفسك صورة نبي.. ..كل شيء متاح وكل شيء ممكن... فقط، اسم مستعار وكلمة سر.!!


اعترف بانبهاري بهذا العالم فأنا من هواة البحث عن العالم ..العالم كله ...ابحث عن كل شيء وعن أي شيء...حتى ولو كان بحثي بلا هدف !!..فالبحث متعة ...والأكثر متعة أن تصل لما تريد ..حتى ولو كان بلا هدف!!


ولكن كنت دائمًا ما أواجه بعض العوائق أثناء تلك الرحلة الممتعة ...فرحلة البحث التي لا تنهي ..ربما تنتهي بانقطاع الكهرباء!! ..أو بانقطاع الاتصال بالشبكة صاحبة الفضل في اتصالي بهذا العالم ....أو غيرها من مشكلات الانترنيت المألوفة ..ولكن..ليست هناك مشكلة ..علي الانتظار قليلا..ربما انتظر بضع دقائق أو عدة ساعات ...ربما....هذا كله لا يعنيني ...فالأمر يستحق بعض العناء ..فعصر المصباح السحري ومارده الشهير ذو الصوت الجهور حينما يقول تلك العبارة القديمة والمستهلكة "شبيك.. لبيك"،..قد انتهى !!...أو ربما لم يكن موجود بالأصل!! ..نحن الآن في عصرٍ.. الانترنيت هو المارد فيه....


ولكن كانت أكثر العوائق سخافة أثناء رحلة البحث المشوقة عن ما أريد، تلك التي تسمى "بالمنتديات"!!
فهي كالمطب الصناعي غير المرغوب فيه ....ولكنه ضروري أثناء السير.

كنت دائمًا أرى في المنتديات الوسيلة المثالية لنشر المعرفة وإبداء الرأي ومناقشة الرأي الآخر بحرية ....حرية أحيانًا لا نجدها خارج نافذة الانترنيت!!

فالمنتديات لا تعرف حدود سياسية ولا جغرافية ولا حتى دينية ...فالمنتدى دولة مستقلة ...لكنها لا تحمل جنسية وليس لها دين رسمي ...يمكنك أن تناقش أشخاص من مختلف الجنسيات والأعراق في شتى الموضوعات رغم انك لا تعرفهم !!..وهذا يعطي "للمنتدى" أهمية ..تفوق أحيانًا ..أهمية المؤتمرات الصحفية..فالكل على طبيعته ..لا يهم ما مدى مستواك الثقافي أو الفكري لتناقش ...المهم هنا..أن تتسم بالاحترام والموضوعية لتناقش..

ولكن ما رأيته في بعض "المنتديات العربية" لا ينطبق عليه تلك الصفتان بالمرة ... فإذا كنت تريد أن تعرف إلى أي مستوى وصل إليه النقاش العربي ..فأدخل المنتديات ....لن ترى سوى صدمات متتالية ..صدمة تلو الأخرى ...فالمنتديات العربية ليست سوى مسرحًا هزليًا لمأساة كبيرة ...مأساة أمة لا يعرف شبابها سوى لغة السُباب لإبداء اعتراضه على رأي الآخر..فالمغربي يشتم الجزائري والسوري يشتم العراقي والفلسطيني يشتم المصري ...والسعودي يحتقر الجميع!!

فوضى من الشتائم والاتهامات بالخيانة والعمالة ..إذا تم طرح أي موضوع سياسي للمناقشة ..مهما كان بسيطًا!!
والسُباب ليس كل شيء... فالتناقض والازدواجية أصبحت السمات الأساسية للكثير من المنتديات العربية. ستجد السطحية مقرونة بالفذلكة ..والتزمت مقرون بالتحرر ..والتعصب الديني مقرون بالاستهزاء بالدين ذاته!!

كل هذه التناقضات يمكنك أن تراه على صفحة واحدة من أي منتدى!!
فقط.. اسم مستعار.. وكلمة سر !!

يُتبع....

الثلاثاء، 24 نوفمبر 2009

"لما يصعبوا عليكي ...ابقي افتكري فلسطين"!!



كنت أشاهد فيلم The Pianist. كنت متأثرة كثيرًا بما حدث.... أي عقل بشري ....بل أي جنون يستطيع أن يقبل بهذا؟!!...كيف يستطيع إنسان مهما كانت غطرسته وتعاليه أن يقرر فجأة ...قتل الآلاف من البشر لمجرد أنهم "يهود"؟!!
فتلك كانت جريمتهم الوحيدة ...انهم كانوا يهود!! في عصر النازي مجرد كونك يهوديًا يكفي لقتلك!!...ولا يهم كونك طفل أو امرأة أو مريض أو مسن ...فليس هناك أي عذر يشفع لك، فجريمتك أكبر بكثير من أي عذر ...أكبر من الإنسانية نفسها!! مر أخي بجانبي وأنا أشاهد الفيلم، وشاهد إحدى اللقطات الدامية من الفيلم....وقال بنبرة آسفة: "ياه ...إيه ده؟!!" فقلت له: "دول كانوا يهود ...وعلشان كده هتلر كان بيقتل فيهم". فسرعان ما تحولت النبرة الآسفة إلى ابتسامة عريضة على وجهه، وقال بحماس: "الراجل ده ميه ميه، وعمل معاهم الصح!!" كان الفيلم رائعًا ولم أُرد أن أضيع مشاهدته في جدال فارغ مع أخي النازي!!تأثرت بالفيلم كثيرًا لدرجة أني نصحت عدد كبير من زملائي بمشاهدته، ولو علم Roman Polanski - منتج الفيلم - بالحملة التسويقية الكبيرة التي قمت بها بين زملائي للفيلم.... لخصص لي وحدي جزءً كبيرًا من إيراداته.!! كنت كلما قصصت عليهم حكاية الفيلم وكم هو إنساني ومؤثر، قوبلت بهجوم شديد وكأني عميلة للموساد!! قال لي أحد أقربائي أنه سيشاهد الفيلم فقط ....ليرى اليهود وهم يُقتلون!! كانت ردود أفعالهم صادمة، فلم يخطر ببالي أن إنسانيتنا أصبحت مرهونة بدين الآخر!! قالت لي إحدى صديقاتي وهي تنظر إلي بلوم: "لما يصعبوا عليكي ....ابقى افتكري فلسطين"!! واعترف بأني استمعت إلى تلك النصيحة السخيفة، وبدأت في التنفيذ ...فاستبعدت إنسانيتي.... وقمت بوضع أي عاطفة لي تجاه ما حدث لليهود في تلك المذبحة... داخل خزانة المحرمات التي فرضتها علينا قوميتنا العربية.
فكلما شاهدت فيلمًا أو قرأت مقالا موضوعه الهولوكوست، أجبرت نفسي على تذكر ما يحدث في فلسطين من مجازر مشابهة لكي أتفادى أي عاطفة أو تأثر. ولكن لم يستمر مفعول تلك النصيحة السحرية طويلاً ....فرأيت أن تلك الفتاة اليهودية التي شاهدتها تُقتل على يد جندي ألماني في بولندا بملابسها البسيطة، لا تشبه على الإطلاق تلك الفتاة اليهودية التي تحمل السلاح في زي عسكري مقيت ويُطلق عليها اسم "مجندة إسرائيلية"!!. فكلتا الفتاتين مختلفتين حتى في نظرة العين!!...الأولى كان الخوف والفزع يملئان عينيها....بينما الثانية كانت نظرة الحقد والتعالي هي المسيطرة على قسمات وجهها.!! هؤلاء كانوا يركبون قطارات الموت لتصل بهم إلى معسكرات التعذيب على يد الألمان. بينما الآخرون يركبون المدرعات لاعتقال وتعذيب الآخرين بأيديهم هم. !! هؤلاء قُتلوا ودُفنوا في أرضهم، بينما الآخرون أتوا إلى أرضنا غاصبين.!! إذن،... فالزمان غير الزمان.... والمكان غير المكان.... والأشخاص غير الأشخاص ....فلما المقارنة الآن؟!!
قررت أن أعود إلى إنسانيتي من جديد ..وأن أنظر للقضية نظرة إنسان ...إنسان يشعر ...ويتألم ..ويحترم آدمية الآخر...وحقه في الحياة. ما حدث في غزة جريمة.....جريمة تضاف إلى سلسلة جرائم إسرائيل. وما حدث في أوروبا النازية أيضًا جريمة... وهذه حقيقة إنكارها ليس نصر لنا. إن مشكلتنا تكمن في أننا ننظر لمثل هذه القضايا من جانب واحد. فقد وقعنا _وبجدارة_ في نفس الفخ الذي وقع فيه الغرب عند حكمهم علينا نحن العرب والمسلمين...هذا الفخ الذي يُنصب دائمًا لنا ولهم بعد كل جريمة.... ويسمى "التعميم"!!...مشكلتنا أننا لا نعرف بالتحديد من هو عدونا!!....نفتخر دائمًا... بل ونتلذذ ...بمشاهد لقتل أناس لا نعرفهم ...ولم يكن لدينا أي مشكلة معهم...سوى أنهم من نفس دين أعدائنا الحقيقيين!!........أي وحشية هذه؟!!...بل أي ضعف الذي يجعلنا نهزم... ونهزم.. على أرض الواقع ولا نشعر بنشوة الانتصار إلا عند مشاهدة أفلام سينمائية لجريمة الماضي ضد أناس آخرون... فقط ...لأنهم يحملون نفس الدين؟!! الجريمة ليس لها دين ولا تعرف عقيدة ولا تنتمي لبلد. وستبقى الجريمة جريمة أيًا كان الفاعل وأيًا كان المفعول به. أعرف أنهم يتاجرون بها..أعرف أنهم يبالغون في عدد قتلاهم...أعرف أنهم ليسوا ملائكة تمشي على الأرض...وأعرف أيضًا أنهم يبتزون ضمير العالم بتلك المذبحة... ولو استطاعوا تذكير العالم بها كل يوم ...لفعلوا!! ولكن هذا لا يمنع أن نبقى بشر...وأن نطلق سراح إنسانيتنا دون قيد أو شرط.
وقبل اتهامي بالخيانة وضعف الإيمان وبأني نسيت أنهم "قتلة الأنبياء"..وأنهم "لُعنوا" في القرآن والسنة، أريد أن أذكركم بما فعله معهم رسولنا الكريم (صلوات ربي وسلامه عليه) في مواقف كثيرة وهو اشرف الخلق _ وأنا اعتبرها مواقف مشرفة وأفتخر بها كمسلمة_ بدءً من وقوفه صلى الله عليه وسلم احترامًا لجنازة رجل يهودي وعندما سُئل عن موقفه هذا قال: "أوليست نفسًا؟!!"، مرورًا بموقفه السمح تجاه جاره اليهودي وزيارته له صلى الله عليه وسلم وهو مريض بعد سلسلة من الإساءات التي تعرفونها ...وكل هذه المواقف النبيلة قام بها رسولنا الكريم (صلى الله عليه وسلم) في أشد العصور الإسلامية عداوة مع اليهود!! ...أي سمو هذا؟!! ...إنه إقرار بأن من حق الآخر أن يحيا...لأنه إنسان...إنسان فقط!!حتى في الحرب ضدهم قام الرسول صلى الله عليه وسلم بسن قوانين تفوق قوانين الأمم المتحدة والقانون الدولي للحروب في سموها ونبلها....على الأقل لأنها كانت تطبق فعليًا...على عكس ما يحدث الآن، فقد قال صلى الله عليه وسلم: (لا تغلوا ولا تغدروا ولا تمثلوا ولا تقتلوا وليدًا).... إنه سيد الأخلاق بحق!! إن "الإنسانية" و"احترام الآخر أيًا كان دينه" لا تعتبر جهات معادية للعقيدة...ولا تُضعف من إيمان أحد... لقد خلقنا الله لنا الحق في الحياة ...وليس من حق أي أحد أن يعتدي على هذا الحق. فكلنا بشر ويجب أن نعترف بإنسانيتنا جميعًا...فشرف الإنسان.. في آدميته.

ايه اللي بيخليكي تقرأي؟!!


سؤال فوجئت به في نقاش عادي جدًا، ربما لأنه يبدو بديهيًا ومن المفترض أن إجابته معروفة...فكلمة "للمعرفة" هي أقوى إجابة على مثل هذه الأسئلة. ولكن تلك الإجابة المعروفة والبديهية أصبحت عائقًا كبيرًا بالنسبة لي.!! فتحول السؤال في لحظة من سؤال بديهي إلى سؤال عميق يستحق الدراسة والتفكير قبل الإجابة عليه.


فأنا ببساطة..لا اقرأ للمعرفة!!..أو بمعنى أصح... لا اقرأ للمعرفة التي تعرفونها أنتم.!! فالمعرفة المتعارف عليها هي "معرفة كل شيء عن أي شيء"، وهذا الشرح التقليدي للمعرفة لا ينطبق علي بالمرة!!...فأنا لا أريد أن اعرف كل شيء عن أي شيء. فما الأهمية بالنسبة لي لأن أعرف مراحل البناء الضوئي للنبات مثلا؟!!!...ما الأهمية لأن أعرف عوامل الأزمة المالية العالمية؟!! ربما تكون تلك الموضوعات محور اهتمام أناس آخرون، ويعتبرونها أهم بكثير من الطعام والشراب. ولكني عفوًا ...لا اهتم.


فأنا اقرأ لمعرفة ما أريد أن أعرفه فقط!! اقرأ عن ما احب واهتم فقط، وليس لأني من هواة القراءة نفسها!! فأنا اقرأ عن السينما لأعرف كل شيء عن السينما فقط، واقرأ عن المسرح لأعرف كل شيء عن المسرح فقط، واقرأ مسرحيات شكسبير لأن فلسفة هذا الرجل تعجبني ...
تلك هي المعرفة التي أؤمن بها، وبالتالي تلك هي الإجابة.


"بطلي فرجه على التليفزيون، واقرأي حاجة شوية"


عبارة اسمعها مائة مرة، وتستفزني كثيرًا. وما إن اسمعها إلا وابدأ في مرافعة مطولة دفاعًا عن هذا الجهاز المظلوم وكأنه شريك حياتي !!فهذا الجهاز الصغير بالنسبة لي كـ "البلورة السحرية" التي ذُكرت في الراويات والقصص الأسطورية...والتي يرى الساحر من خلالها كل العالم دون أن يتحرك من مكانه. يا لها من متعة!!..صدق من قال عنه نافذة على العالم!!...أو في التعبير الشعبي "صندوق الدنيا"!!
التليفزيون بالنسبة لأغلب الناس للتسلية فقط!!..وليس للمعرفة والتثقيف. في الوقت الذي يُعتبر التليفزيون أهم مصادر المعرفة على الإطلاق بالنسبة لي، ولكن للأسف غير معترف به!!


فمن قال أن المعرفة في الكتب فقط؟!! ...المعرفة لا تعرف وسيلة معينة للوصول إليها.فكل الطرق مشروعة ومتاحة إن أردت. لا يهم كيف وصلت بل المهم هل وصلت؟ فالمعلومة - المعلومة فقط - هي البطل الوحيد في سيناريو بحثي عن المعرفة وليس الكتاب!!
فلا يهمني كثيرًا إن كانت هذه المعلومة التي أريد أن أعرفها موجودة في كتاب أو على صفحات الانترنيت أو قيلت في برنامج تليفزيوني أو إذاعي أو حتى فيلم سينمائي!! المهم فقط أن أصل للمعلومة. الفيصل الوحيد بين كل هذه الوسائل هو "المصداقية". فرب خبر أو معلومة قيلت على لسان بائع جرائد أصدق ألف مرة من تلك المعلومات والأخبار التي تنهال علينا من شبكة CNN.!!


والذي جعلني أُفضل التليفزيون على كل مصادر المعرفة وعلى رأسهم ملك الملوك "الكتاب"، هو أني أؤمن بأن لغة الصورة أبلغ وأكثر تأثيرًا من لغة السطور، فالعين تدرك قبل العقل أحيانًا.
فلغة الصورة يفهمها ويتأثر بها المتعلم والجاهل، المثقف والغير مثقف، أستاذ الجامعة والبائع المتجول. واقصد بلغة الصورة هنا كل ما يتم التعبير عن طريق الصورة سواء كان فيلمًا سينمائيًا أو مسرحية أو حتى صورة فوتوغرافية. فأسمى الرسائل الإنسانية من الممكن التعبير عنها بلغة الصورة فقط. فما يحتاجه عشرون كتاب للتعبير عنه، تكفي صورة واحدة يُنظر إليها في لحظة أو فيلم من ساعتين ليعبر عن أسمى الرسائل والمشاعر الإنسانية بأبلغ شرح.


يكفيني أن أرى صورة لزهرة وسط الدمار خلال حرب لبنان الأخيرة لأعرف معنى الأمل. يكفيني أن أشاهد فيلم Digging To China لأعرف معنى حميمية الصداقة التي لا يحكمها أي منطق. يكفني أن أرى صورة للعلم الإسرائيلي وهو يرفف عاليًا في السماء على ساق خشبية قوية وسليمة ولكنه ممزق، لأعرف أن الغطرسة والهمجية إلى زوال.يكفيني أن أشاهد فيلم The Pianist لأعرف قيمة الحياة وكيف يجتمع الموت بها. يكفيني أن أشاهد فيلم A Bear Named Winnie لأعرف كيف اشعر بالآخر واحترمه حتى ولو كان مجرد حيوان!!

تلك هي لغة الصورة التي أؤمن بها، والتي يتحدث بها التليفزيون دومًا.