كنت في السابعة من عمري حين سألني أحد أصدقاء والدي ذلك السؤال الأزلي المعتاد: "نفسك تطلعي ايه يا حبيتي؟؟" ...ولأن السؤال كان أزليًا وتتوارثه الأجيال ...فلابد أيضًا أن تكون الإجابة أزلية: "نفسي اطلع دكتورة"!! ......أتذكر نظرة الفخر تلك التي كانت في عيون والدي وهو يبتسم لصديقه بعد إصداري لهذا لتصريح الخطير..."دكتورة"!!
عرفت بعد ذلك أن مهنة الطب كانت حكرًا على أحلام أطفال جيلي...وربما الأجيال التي أتت بعد ذلك ..فالسؤال يتكرر ...والإجابة أيضًا!!
كانت أقصى حدود علمي عن تلك المهنة وقتها ...هو ذلك البالطو الأبيض الذي كانت ترديه تلك السيدة ذات الوجه العابس التي أتت إلى قريتنا وجلست أمام باب الوحدة الصحية هناك وأمامها طوابير من الأطفال مع أمهاتهم ...حيث تضع في أفواه عنوة تلك القطرات المرة....فقد كان بجانبها لافتة كبيرة مكتوب عليها "الحملة القومية للتطعيم ضد مرض شلل الأطفال"!!
هذا كل شيء ...بالطو أبيض ...ووجه عابس ...وقطرات مرة!!
ثالوث مقدس اختزن في ذاكرتي عن الطبيب ...والحق أنه كان من الصعب كسر قدسيته ...فالعبوس والمرارة والبالطو الأبيض ...كانت أول الأشياء التي تخطر ببالي عند زيارة عيادة أحدهم!!
بدأ الحلم يتلاشى شيئًا فشيئًا ...
خصوصًا أن ميولي العلمية كانت تساوي دائمًا 5/10 في الامتحانات...وفي الكثير من الأحيان أقل من تلك الدرجات الخمس!!
كنت أحب مادة التاريخ......كنت أعشقها ...كنت أراها أفلامًا سينمائية أبطالها...
صلاح الدين الأيوبي...وأحمد عرابي ...والظاهر بيبرس!!
كنت أراهم بين السطور ...أتخيل المشهد كاملا!!
كنت أراهم بين السطور ...أتخيل المشهد كاملا!!
تحرير القدس...فتح مصر...ثورة عرابي ...كلها كانت مشاهد عالية الجودة!!
فقد كنت أتخيل ...ولا أقرأ!!
اذكر أن مدرسي العزيز قام بالشكوى ضدي لدى أبي ...لأني كنت دائمًا ما "اسرح" أثناء الدرس!!
وقتها لم يكن لي حلم محدد أسعى لتحقيقه...فقط أذاكر لأنجح!!...فأصبح ذلك السؤال الأزلي المعتاد ...سؤال محرج جدًا ...لا أستطيع الإجابة عليه!!...وأخجل من أن أقول "لا أعرف" ..
هذا على اعتبار أنه سؤال بديهي!
كانت هوايتي الوحيدة آنذاك هي الرسم ...فقد كنت مولعة بحصص الرسم في المدرسة!
كانت مليئة بالألوان...والأفكار ...والمرح!!
كانت مدرسة الرسم تعطينا الحرية الكاملة للابتكار...كنا نرسم..أي شيء ..وكل شيء..كنا نسخر من رسومات بعضنا البعض ونضحك!
نضحك ونرسم ونبتكر ...
كانت مليئة بالألوان...والأفكار ...والمرح!!
كانت مدرسة الرسم تعطينا الحرية الكاملة للابتكار...كنا نرسم..أي شيء ..وكل شيء..كنا نسخر من رسومات بعضنا البعض ونضحك!
نضحك ونرسم ونبتكر ...
ثالوث آخر، ....ولكنه مختلف هذه المرة!!
في امتحان مادة الرسم أثناء مرحلتي الإعدادية ...أذكر أن السؤال الإجباري كان مضمونه هو أن أقوم برسم شيء ما يُعبر عن "مصر" ...أمسكت بألواني ...وبدأت في الرسم ....
كنت طفلة ...وأرسم بلادي بعيون طفلة ...فرسمت صورة فكرتها ساذجة...وهي أن أجمع كل ما يميز مصر جنبًا إلى جنب وقرص الشمس الكبير ..يحيطهم جميعًا من الخلف!!
فرسمت الأهرامات بجانبه برج القاهرة ونخلتين ونهر النيل يجري من تحتهم جميعًا وقرص الشمس يشع ضوئه من خلفهم ....كنت منهمكة في تلوين قرص الشمس ...فقد كان كبيرًا ....ولما لا؟؟ وهو يحتضن الأهرام بأكملها وبرج القاهرة والنخلتين ...والحق أني كنت حريصة على تواجد النخلتين بلوحتي الفذة ....على اعتبار أن مصر دولة زراعية!!
وسط انهماكي الشديد ...حدث وأن قام مراقب اللجنة بسحب لوحتي الفنية التي أخذ ينظر إليها بإعجاب شديد، ويعرضها على زميله في اللجنة ثم مراقب الدور ..كانوا يتبادلون كلمات المدح في اللوحة التي لم أكملها ...المدهش أني كنت سخيفة بعض الشيء وطلبت منهم - بعد أن شكرتهم – إحضار ورقة الإجابة سريعًا لأكمل لوحة الموناليزا الخاصة بي ...فقد كان وقت الامتحان يداهمني ...وهناك أسئلة أخرى غير هذا السؤال الإجباري!!
كان الخوف والقلق توأمي الملتصق ...الذي يفسد علي لحظات نادرًا ما تتكرر في حياتي..
لحظات أسميها ..." نجاحًا"!!
عندها،.. أمسكت بأول طرف خيط يصل بي إلى الإجابة على السؤال الأزلي...فلماذا لا يكون حلمي هو الالتحاق بكلية الفنون الجميلة ...طالما أني أحب الرسم ..وأجيده مثلما يقول البعض؟
"آخرك هتبقي مدرسة رسم"!!...
كلمات صادمة تلقيتها من صديقتي عندما عرضت عليها الموضوع ...قالت لي في بلادنا هذه لا مكان للمبتكرين غير حصص الرسم والتي غالبًا ما يتم استبدالها بحصص الرياضة والكيمياء عند اقتراب موعد الامتحانات
فلا وقت للهو!!
اللهو .....ما إن سمعت هذه الكلمة إلا وانكسر الحلم بداخلي قبل أن يُولد ...فأنا عندما أرسم لا ألهو ..بل أترجم مشاعري إلى صور ورسومات ...وأنا لا أحتمل أن يُقال أن مشاعري لهوًا!!
ونسيت .....نسيت حتى كيف ارسم!!
وبدأت ابحث عن طرف خيط آخر ...لأصل به إلى إجابة أخرى لذالك السؤال الذي يطاردني ...طوال سنوات عمري ..."نفسك تطلعي إيه؟!!"
في امتحان مادة الرسم أثناء مرحلتي الإعدادية ...أذكر أن السؤال الإجباري كان مضمونه هو أن أقوم برسم شيء ما يُعبر عن "مصر" ...أمسكت بألواني ...وبدأت في الرسم ....
كنت طفلة ...وأرسم بلادي بعيون طفلة ...فرسمت صورة فكرتها ساذجة...وهي أن أجمع كل ما يميز مصر جنبًا إلى جنب وقرص الشمس الكبير ..يحيطهم جميعًا من الخلف!!
فرسمت الأهرامات بجانبه برج القاهرة ونخلتين ونهر النيل يجري من تحتهم جميعًا وقرص الشمس يشع ضوئه من خلفهم ....كنت منهمكة في تلوين قرص الشمس ...فقد كان كبيرًا ....ولما لا؟؟ وهو يحتضن الأهرام بأكملها وبرج القاهرة والنخلتين ...والحق أني كنت حريصة على تواجد النخلتين بلوحتي الفذة ....على اعتبار أن مصر دولة زراعية!!
وسط انهماكي الشديد ...حدث وأن قام مراقب اللجنة بسحب لوحتي الفنية التي أخذ ينظر إليها بإعجاب شديد، ويعرضها على زميله في اللجنة ثم مراقب الدور ..كانوا يتبادلون كلمات المدح في اللوحة التي لم أكملها ...المدهش أني كنت سخيفة بعض الشيء وطلبت منهم - بعد أن شكرتهم – إحضار ورقة الإجابة سريعًا لأكمل لوحة الموناليزا الخاصة بي ...فقد كان وقت الامتحان يداهمني ...وهناك أسئلة أخرى غير هذا السؤال الإجباري!!
كان الخوف والقلق توأمي الملتصق ...الذي يفسد علي لحظات نادرًا ما تتكرر في حياتي..
لحظات أسميها ..." نجاحًا"!!
عندها،.. أمسكت بأول طرف خيط يصل بي إلى الإجابة على السؤال الأزلي...فلماذا لا يكون حلمي هو الالتحاق بكلية الفنون الجميلة ...طالما أني أحب الرسم ..وأجيده مثلما يقول البعض؟
"آخرك هتبقي مدرسة رسم"!!...
كلمات صادمة تلقيتها من صديقتي عندما عرضت عليها الموضوع ...قالت لي في بلادنا هذه لا مكان للمبتكرين غير حصص الرسم والتي غالبًا ما يتم استبدالها بحصص الرياضة والكيمياء عند اقتراب موعد الامتحانات
فلا وقت للهو!!
اللهو .....ما إن سمعت هذه الكلمة إلا وانكسر الحلم بداخلي قبل أن يُولد ...فأنا عندما أرسم لا ألهو ..بل أترجم مشاعري إلى صور ورسومات ...وأنا لا أحتمل أن يُقال أن مشاعري لهوًا!!
ونسيت .....نسيت حتى كيف ارسم!!
وبدأت ابحث عن طرف خيط آخر ...لأصل به إلى إجابة أخرى لذالك السؤال الذي يطاردني ...طوال سنوات عمري ..."نفسك تطلعي إيه؟!!"
السلام عليكم ...
ردحذفدخولي لمدونتك كان صدفة وصدقيني اسلوبك وسلاسته منحتني احساسا ان الصدف تحمل احيانا مفاجآت سارة ولن تكون الزيارة الاخيرة
بالنسبة للسؤال الأزلي ... نفسك تطلع ايه ... ليس مهما ما كنا نحلم به
المهم إلى ماذا وصلنا .. هل سنقف عند نقطة الوصول الاخير ام ان هناك نقط وصول اخرى بانتظارنا
انا مستني الجزء التاني
تحياتي
عارفة يا لبنى أنا رسمت صورة ذي اللي أنت رسمتيها بالضبط في الصف الخامس الابتدائي وانت بتوصفي فكرتيني بتفاصيل هذه الصورة. أنا كمان كنت بحب الرسم ولكن ببراءة الأطفال صدمت عندما قامت إحدى التلميذات التي تكبرني بالكثير فقط كانت في مرحلة الثانوي بالاستهزاء بما أرسم مما جعلني أبكي وأترك الرسم كليتًا
ردحذفسبحان الله مش ممكن دا أحنا في شبه بينا كبير
المشكلة إننا بننسى إننا اللي بنصنع البلد والمجتمع
ردحذفمفيش حاجة اسمها إن بلدنا دي بتموت فيها الابتكارات
وحتى لو يبقى مش لازم نستسلم
المشكلة التانية إن آبائنا كانوا دايمًا بيربونا على إن الناجح والمتفوق لازم يطلع دكتور أو مهندس أو صيدلي
وأنا في أعدادي أخو صاحبتنا في المدرسة كان طالع الأول على المنطقة، ولما نزل مصر كان ممكن يدخل أي كلية وهو حاطط رجل على رجل، لكن صمم وبخناقة قوية ومدوية مع كلا الأبوين على فنون جميلة، وعلى الرغم من إنه تفوق وبقى من أعضاء هيئة التدريس فيها، لكن ظل رأي والديه ورأي كل الأسر المصرية هناك إنه ضيَّع تفوقه ودرجاته العالية على الأرض
مش عارفة لما الناس كلها تطلع دكاترة ومهندسين البلد هتمشي إزاي؟
سؤال مهم ومحير؟!
لبنى الموضوع جامد جدًا
السلام عليكم،
ردحذفأنا متشكرة أوي يا أستاذ أحمد على ردك الطيب ...وأكيد تشرفني زيارتك لمدونتي ..بالنسبة للسؤال الأزلي رغم إنه سؤال محير وبيطاردنا طول الوقت إلا إنه مهم...ومهم أكتر إننا نواجهه مش نستسلم لمطاردته لينا...أنا متشكرة مرة تانية على ردك الطيب اللي اسعدني جداا :)
تحياتي
إنت لسه صغيرة، لو حلمك هو حلم حقيقي حيتحقق في يوم من الأيام بأي صورة، صدقيني، أنا عمري الآن 65 سنه وباشوف كثير من أحلامي القديمة بتتحقق، مش مهم بنفس ما حلمته سابقا، ما تنسيش أن أحلام الأطفال لا حدود لها،وكلها رموز.
ردحذفمثلا كان حلمي أرقص باليه، وعشت الحلم ده طوال عمري، ودائما أذهب إلى حفلات الباليه في الأوبرا، أول أمس وأنا أشاهد باليه كسارة البندق، عرفت أني كنت عايزه أرقص باليه مش حبا في الرقص، بل علشان أطير وأحس بحريتي، يعني حلمي كان الحرية مش الرقص.
لبنى زيتون